الشيخ.. حَكَم أم طرف في النزاع؟

بقلم .. النائب حميد الشبلاوي
كان يُنظر إلى شيوخ العشائر تقليديًا باعتبارهم ركائز للحكمة والصلح الاجتماعي، يلعبون دورًا مهمًا في تهدئة النزاعات وبث روح الانسجام داخل مجتمعاتهم. لكن ما نشهده اليوم هو انزياح خطير في هذا الدور، حيث تحوّل الكثير من شيوخ العشائر إلى فاعلين سياسيين من الطراز الأول، يتدخلون في الترشيحات، ويوجهون الأصوات، ويعقدون التحالفات، في مشهد لا يعكس نضجًا ديمقراطيًا، بقدر ما يعيد إنتاج الانتماء الضيق والاصطفاف ما قبل المدني.
باتت الانتخابات، التي يفترض أن تكون مناسبة لاختيار الأكفأ والأجدر، تخضع لاعتبارات عشائرية بحتة: “مَن شيخ العشيرة يدعمه؟”، “كم عدد أصوات العشيرة الفلانية؟”، و”هل هذا المرشح محسوب على جهتنا؟”، وكأنّ الوطن قطعة من غنيمة، لا مسؤولية وطنية مشتركة.
الأخطر من ذلك أن بعض الشيوخ أصبحوا وسطاء سياسيين أكثر منهم رموزًا مجتمعية. يُستخدم ثقلهم العشائري كورقة ضغط داخل الدولة، للحصول على مناصب، أو تمرير صفقات، أو حماية أفراد على حساب القانون. وهنا، لا يعود الشيخ ضامنًا للتماسك الاجتماعي، بل يتحوّل إلى مركز نفوذ يرسّخ الانقسام ويفسد المفهوم الحقيقي للمواطنة.
ما يغيب عن هذا المشهد هو أن العشيرة وُجدت لتدعم النسيج الاجتماعي، لا لتختطف الإرادة السياسية للمجتمع. والتاريخ لم يحفظ لنا شيوخًا عظامًا لأنهم رشّحوا نوابًا أو تحالفوا مع ساسة، بل لأنهم حفظوا الكرامة وأطفأوا الفتن وسعوا إلى الإصلاح.
إن استمرار هذا التدخل المتزايد في السياسة يضرّ بالدولة من ناحيتين: أولًا، لأنه يفرغ العملية الديمقراطية من محتواها الحقيقي، وثانيًا، لأنه يكرّس عقلية الاصطفاف التي تُقصي الكفاءات وتُعلي من شأن النَسب والانتماء على حساب الجدارة.
الدعوة اليوم ليست إلى إقصاء الشيوخ من المشهد العام، بل إلى إعادة ضبط دورهم، بحيث يكونوا جزءًا من الحل الاجتماعي، لا جزءًا من المشكلة السياسية. فالمجتمع بحاجة إلى حكماء لا سماسرة انتخابات، وإلى صانعي سلام لا تجار نفوذ !!