السلطة المقيدة
بقلم.. علي حسين الخفاجي
أطلق “أدموند بيرك”، المفكر الإيرلندي، مصطلح “السلطة الرابعة” على الإعلام، لما له من تأثير وصوت أعلى من صوت عامة الناس، والسلطة السياسية، وأصحاب التأثير الآخرين من رجال دين أو رجال الأعمال وغيرهم. ولكنه لم يحدد بأي يد سوف تقع هذهِ السلطة، ومن سيعمل على توجيهها، فهي عائمة على أيدي متلهفة للسيطرة عليها، وبذلك يتم السيطرة على القضايا والأحداث المختلفة، المحلية منها والإقليمية والدولية.
بعد عام ٢٠٠٣، في العراق، كان الإعلام يمثل أهم الأدوات التي تعكس التحولات الإجتماعية والسياسية التي تعرض لها البلد بعد سقوط النظام السابق، حيث شهد الإعلام العراقي إنفتاحاً غير مسبوق، رافقه تأسيس العديد من القنوات الفضائية، والإذاعات، والصحف، الخطوة التي كانت تمثل حلماً للعديد من العراقيين بأن يتمتعوا بنوع من أنواع الحرية الإعلامية، من حيث أن الإعلام وظيفته لا تقف عند نقل المعلومات والأخبار فحسب، بل تُعنى بقضايا التثقيف والتوعية، وخلق الرأي العام، بل وحتى الرقابة والمساءلة للسلطة السياسية، ما أن تجاوزت القوانين أو أساءت إستخدام سلطتها على حساب حقوق المواطنين.
بالرغم من المناخ الديمقراطي الذي تبناه النظام السياسي بعد عام ٢٠٠٣، الإ أن الإعلام العراقي في مفترق طرق، ما بين أن يتمتع بحرية في التعبير والرأي، أو أن يصبح أداة حزبية لتحقيق مصالح سياسية معينة. ويعود ذلك إلى هيمنة القوى السياسية، بأحزابها المختلفة، على مفاصل الدولة المختلفة، إذ تتحكم بالقرار الحكومي في تشديد الرقابة على الإعلام، وتمتلك أيضاً وسائل إعلامية مختلفة، التي بدورها تكون موجهة لمهاجمة من يلتزم بمبدأ “الصحافة الحرة” في البلد. معززة بذلك الخطابات الطائفية والسياسية، التي تجعل الإعلام أداة لتفكك المجتمع وتشتيته لدواعي إنتخابية، ومساهمة في خلق أو تبني سياسات تخدم مصالح خاصة بالحزب أو بالدولة النافذة من خلال حزب معين في العراق.
تُعد الإجراءات التعسفية، من رفع دعاوى قضائية بحق الإعلاميين أو الصحفيين أو المؤثرين، وسجنهم أو فصلهم من وظائفهم، أو الضغوط السياسية الأخيرة، منعطفاً خطيراً يعود بنا إلى زمن تكميم الأفواه، وتوحيد الخطاب لمنافع ومصالح النظام السياسي، بقواه السياسية المختلفة. فهذهِ الممارسات تُفقد مصداقية الإعلام العراقي، وتُقلل من تأثيره، مما يدفع المواطنين إلى التوجه نحو مصادر ووسائل إعلامية أخرى للحصول على المعلومات الدقيقة والأخبار المختلفة.
كما سيعزز الوسائل الإعلامية التي تخدم المصالح السياسية للأحزاب، أو الدول التي لها نفوذ في العراق، والتي لا تتمتع بحيادية بالطرح، وشفافية بنقل المعلومات، بل تكون معتمدة على التضليل والتخوين الذي يُطال حتى الحكومة العراقية. محولة بذلك الإعلام إلى أداة لتصفية الحسابات السياسية، وأداة للإبتزاز، مُضعفة، وبمرور الوقت، هيمنة السلطة الحكومية على الإعلام، ونافذة بسلطتها الحزبية بدلاً عنها.