عيشني اليوم … وموتني باجر!

بقلم أحمد الجنابي |..

تواجه العملة المحلية العراقية تراجعات كبيرة قُدرت بنحو 22% منذ بداية العام الحالي، قبل أن تعوض بعضاً من خسارتها عند أقل من ذلك، وتحاول السلطات المالية والنقدية في العراق تدارك ذلك دون مواجهة هذا الانحدار بإجراءات عديدة تهدف إلى دعم الدينار وتقويته لكن من دون جدوى.

لكن ثمة قناعة لدى المسؤولين عن القطاع المالي والمصرفي في العراق وعلى رأسهم مستشاري رئيس الوزراء بأن هناك عوامل سياسية، وحرب المضاربات الضروس التي تدور رحاها في الخفاء هو ما يدفع العملة المحلية العراقية نحو حافة الانهيار، لكن لم يقدم هؤلاء المستشارين الكلاسيكيين حلول مُجدية على ارض الواقع لحد الان وبالتالي يولد هذا الامر تساؤلين هامين، الأول عدم فهم هؤلاء المستشارين بما يحدث في الواقع الاقتصادي، والثاني تقديم ما بوسعهم من حلول دون الاخذ بها من القائمين على قيادة البلد.

وعلى هذا الأساس لا يتحمل البنك المركزي العراقي المسؤولية الكاملة حيال ذلك، ولكن تتحملهُ وزارات الدولة قاطبة بالتساوي حيال ما يحدث للدينار العراقي بسبب افة الفساد التي تنخر بتلك الوزارات.

فالدينار العراقي ما هو الا ورقة مالية محددة القيمة مضمونة بحكم القانون من قبل مصدرها البنوك المركزية للدول، اذ ان هناك مجموعة عوامل تحدد قيمة او قوة أي عملة في العالم في مقدمتها العوامل الاقتصادية بجانب العوامل السياسية والامنية أيضا. اما فيما يتعلق بالعوامل الاقتصادية فإن قيمة العملة تتحدد بما لدى هذا البلد من ثروات واحتياطات طبيعية مثل (النفط، الغاز، المعادن النفسية وغير النفيسة)، فضلاً عن حجم الاحتياطات النقدية، والقدرة الإنتاجية والتصديرية للبلد.

أضف الى ذلك العرض والطلب على عملة البلد، كأي سلعة في الأسواق كالدولار مثلاً، وتجدر الإشارة الى ان هناك عوامل كثيرة تتحكم في هذا العرض والطلب البعض منها يرتبط بأداء الاقتصاد الحقيقي للدولة وقطاعاتها الإنتاجية والخدمية وهي الاهم، والبعض الآخر يتعلق بممارسات خطرة للغاية تكمن في السوق السوداء ومنها، المضاربات على العملات وأوراق الدين، بالإضافة إلى عوامل سياسية. اما العوامل التقليدية القابلة للقياس والتي تتحكم في سعر العملة، نجد وضع الميزان التجاري للعراق يعيش اختلاً واضحاً من خلال مقارنة الصادرات بالواردات وهذا يعني انه كلما كانت الصادرات اكبر من الواردات كلما شهدت العملة المحلية طلبا كبيراً عليها، والعكس صحيح كلما اختل الميزان التجاري لصالح الشركاء التجاريين كلما تراجع الطلب على العملة ودفع سعرها إلى الهبوط أمام العملات الأجنبية الأخرى.

وهنا نود ان نشير الى نقطة جوهرية هي ان مصدر الدولار المطروح في السوق المحلي هو البنك المركزي العراقي ولا يوجد مصدر اخر غير ذلك فضلاً عن كونه المسؤول وفق القانون عن رسم السياسات المالية في البلد. وبناءً على ذلك فمن غير المقبول أطلاق مصطلح السوق الموازي على مصادر بيع الدولار في السوق المحلي وبالتالي فأن اضرار مصارف وشركات الصرافة أكبر بكثير من نفعها للاقتصاد العراقي، لكون ان السوق الموازي له مصادره الخاصة من العُملة الأجنبية والمتمثلة بصادرات القطاع الخاص التي نوهنا لها انفاً وخصوصاً الشركات والمصارف المدرجة وغير المدرجة في سوق العراق للأوراق المالية وبالتالي يكون دور البنك المركزي العراقي في حال وجود سوق موازي حقيقي هو تحقيق التوازن في سعر الصرف في حالة البيع او الشراء. وبالرجوع الى المصدر الوحيد للعملة والمتمثل بالبنك المركزي العراقي نجد ان السوق المحلي الذي يتم فيه تداول العملات الاجنبية هو “سوق مضاربة” بالدولار دون العملات الأجنبية الأخرى والذي تُسيطر على معظم تداولاته شبكات مشبوهة، وبالتالي فان التداول في تلك الاسواق غير قانوني بسب فرق السعر الكبير ما بين سعر البنك المركزي وسعر السوق المحلي الامر الذي يعكس عدم قدرة البنك المركزي على خلق توازن بين الطلب والعرض بالرغم من كونه مصدر بيع العملة الرئيس في البلد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار