حزب العمال ينسحب من تركيا.. ويزرع أزمة جديدة في العراق!

خاص|
رغم بوادر السلام بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني، إلا أن انسحاب مقاتلي الحزب إلى شمال العراق أعاد إلى الواجهة هواجس أمنية وسياسية معقدة، وسط تحذيرات من أن يتحول الشمال العراقي إلى “مستودع جديد للصراع” بين أنقرة والحزب، بما يضع بغداد مجددًا في موقع الحرج بين ضغوط الجوار وتحديات السيادة.
وجاء التحرك بعد إعلان الحزب سحب مقاتليه من تركيا إلى داخل الأراضي العراقية، في خطوة وصفها مراقبون بأنها “تاريخية”، كونها المرة الأولى التي ينسحب فيها الحزب طواعية من الداخل التركي منذ اندلاع مواجهاته مع الجيش التركي في ثمانينيات القرن الماضي. وبحسب بيان صادر عن الحزب، فإن الانسحاب يأتي في إطار عملية سلام ترعاها لجنة برلمانية تركية تهدف إلى إنهاء القتال وفتح الباب أمام العمل السياسي القانوني.
لكن المشهد في العراق بدا أكثر تعقيدًا، إذ رُصد دخول مجموعات من المقاتلين إلى مناطق قنديل وسنجار ومخمور، وهي مناطق خارجة عن السيطرة الكاملة لبغداد وأربيل، ما أثار تساؤلات حول كيفية التعامل مع هذا التواجد الجديد الذي تمّ — بحسب مصادر سياسية — من دون أي تنسيق رسمي مع الحكومة العراقية.
وفي هذا السياق، أكّد الأكاديمي والباحث السياسي حسام ممدوح أن دخول هذه العناصر “يمثّل تنفيذًا لاتفاق السلام التركي–الكردي، لكنه في الوقت ذاته يحمل إنذارًا أمنيًا وسياسيًا لبغداد”. وقال ممدوح في تصريح خاص لـ”منصة جريدة” إن “العناصر المنسحبة لم تتخلَّ عن سلاحها بالكامل، وهي الآن متمركزة في مناطق وعرة خارج السيطرة الحكومية، مما يخلق فراغًا أمنيًا خطيرًا قابلًا للاستغلال من أطراف إقليمية متصارعة”.
وأضاف لـ”منصة جريدة” أن “العراق لم يُستشر رسميًا في تفاصيل الانسحاب، وهو ما يجعل الخطوة أقرب إلى فرض أمر واقع، وقد يضع الحكومة في موقف حرج أمام تركيا التي ما تزال تحتفظ بتفويض عسكري للتوغل داخل الأراضي العراقية بحجة ملاحقة الحزب”.
وتابع ممدوح أن استمرار هذه الحالة “يعني أن الحكومة التركية قد تنقل عمليًا ساحة المواجهة إلى العراق بدلًا من أراضيها، مما يهدد بفتح جبهة جديدة في الشمال العراقي”، مشيرًا إلى أن ذلك “يستلزم تحركًا عاجلًا من بغداد عبر القنوات الدبلوماسية والأمنية لمعرفة حجم وعدد وتسليح هذه المجاميع”.
ويرى خبراء أن العراق اليوم أمام اختبار جديد لقدرته على فرض سيادته، خصوصًا أن ملف حزب العمال ظلّ سببًا دائمًا للتوتر مع أنقرة، ودفع الأخيرة لتنفيذ عشرات العمليات الجوية والبرية داخل الأراضي العراقية خلال السنوات الماضية.
ويؤكد هؤلاء أن الانسحاب، رغم كونه خطوة سلام في ظاهرها، إلا أنه قد يؤدي عمليًا إلى ترسيخ وجود الحزب داخل العراق، مما يضع البلاد بين مطرقة الضغوط التركية وسندان النفوذ الإيراني، لاسيما أن بعض فصائل الحزب تمتلك امتدادات في مناطق سنجار وسهل نينوى.
كما أن وجود المقاتلين في مناطق تخضع لتشابكات أمنية بين قوات البيشمركة والجيش العراقي والفصائل المحلية، يجعل احتمالات الاحتكاك مرتفعة، في ظل غياب اتفاق ثلاثي واضح بين بغداد وأربيل وأنقرة لتنظيم الانتشار وضمان عدم تحوّل تلك المناطق إلى قاعدة لتصفية الحسابات الإقليمية.
ويختم الباحث حسام ممدوح تصريحه بالتأكيد على “ضرورة أن يكون العراق طرفًا فاعلًا في أي مسار تسوية بين أنقرة والحزب، من خلال التنسيق الأمني مع حكومة إقليم كردستان، وتفعيل الدور الدبلوماسي للحد من مخاطر هذا الملف الذي يتجاوز الحدود الأمنية إلى أبعاد سياسية واقتصادية تمس استقرار البلاد”.



