لماذا نحتاج المستقلين في العراق؟

بقلم/ الدكتور ليث شبّر

مرحبًا بكم في سلسلة “صوت المستقلين”، وهي سلسلة مقالات تثقيفية تهدف إلى إلقاء الضوء على دور المستقلين في المشهد السياسي العراقي. في كل مقال، نستعرض جانبًا محددًا من رحلة المستقلين، بهدف تحفيز الوعي السياسي وتشجيع المشاركة الوطنية الواعية. انضموا إلينا في هذه الحلقات لنستكشف معًا كيف يمكن للمستقلين أن يكونوا صوت التغيير في العراق.

في أمسية هادئة في مقهى رضا علوان العتيق في قلب بغداد، حيث يمتزج عبير القهوة المحمصة مع أصوات الشباب المتحمسين، جلستُ مع مجموعة من الأصدقاء لنناقش أهمية المستقلين في العراق. المقهى، بمكتبته الصغيرة المملوءة بالمجلات الثقافية والديكور التقليدي، كان المكان المثالي لهذا الحوار. لكن الشباب لم يكونوا مقتنعين بفكرتي، فكانت أسئلتهم مليئة بالشك والتحدي.

دعوني أشارككم هذه المناقشة الحية.
بينما كنا نجلس حول طاولة خشبية قديمة، بدأتُ الحديث وأنا أنظر إلى عيونهم المتلهفة لسماع شيء جديد: “يا شباب، أريد أن أحدثكم عن حلم نعمل عليه، وهو تشكيل ‘القائمة العراقية للمستقلين’. هذه ليست مجرد قائمة انتخابية، بل حركة وطنية تجمع المستقلين الذين يؤمنون بأن العراق يستحق سياسة نظيفة بعيدة عن المحاصصة. نحن نسعى لتوحيد الأصوات الحرة التي ترفض الفساد وتضع مصلحة الشعب أولاً، من خلال التركيز على قضايا ملحة مثل تحسين الخدمات، محاسبة الفاسدين، وبناء دولة عادلة.
أريد أن أسمع آراءكم، ما رأيكم بهذا المشروع؟”

لم تمضِ لحظات حتى بدأ حيدر، طالب جامعي في العشرينات، الحديث بنبرة مليئة بالتشكك:
“يا دكتور ليث، العراق يحكمونه الأحزاب والمليشيات والفاسدين، فكيف يقدر المستقلون يغيرون شيء؟ النظام كله محاصصة!”

ابتسمتُ وأجبتُ: “أتفهم شكك يا حيدر، فالمحاصصة والتأثيرات الخارجية تحديات كبيرة. لكن المستقلون لا يسعون لتغيير كل شيء بين ليلة وضحاها. دورهم هو البدء بخطوات تدريجية. المستقلون يمثلون صوت الشعب بعيدًا عن الانتماءات الحزبية، ومن خلال الشفافية والتركيز على المصلحة العامة، يمكنهم بناء ضغط شعبي يجبر النظام على الإصلاح. على سبيل المثال، بعد انتخابات 2021، نجح قسم من المستقلين في إثارة قضايا وطنية كثيرة وأيضا السلاح المنفلت والفساد في البرلمان، وهذه خطوة أولى نحو تغيير أكبر.”

بينما كنت أتحدث، رفعت زينب، وهي شابة تعمل في القطاع الخاص، كوب الشاي الخاص بها وعلّقت بنبرة حادة:
“حتى لو كانوا مختلفين، كلهم نفس الشيء! بمجرد ما يدخلون البرلمان، راح يصيرون مثل الأحزاب ويشتغلون لمصالحهم. أنا ما أثق بأي سياسي!”

نظرت إليها وقلت: “شكوكك مفهومة يا زينب، ففقدان الثقة نتيجة تجارب مريرة مع الأحزاب التقليدية. لكن دعيني أخبرك شيئًا: في تجربة المستقلين بعد انتخابات 2021، لم نسمع مثلا عن مستقل فتح ‘مكتبًا اقتصاديًا’ مشبوهًا أو وُجهت له اتهامات بالفساد، على عكس الأحزاب المحاصصاتية. بل كانوا دائمًا إلى جانب المواطنين، حتى مع من يختلفون معهم. هذا ما يجعل المستقلين مختلفين، وهذا ما يعيد بناء الثقة.”

في تلك اللحظة، تدخل أحمد، وهو ناشط شارك في احتجاجات تشرين، وقال وهو يضع هاتفه على الطاولة:
“طيب يا دكتور، إذا المستقلين فعلاً يمثلون الشعب، ليش ما شفنا تغيير كبير بعد تشرين؟ كل شيء بقى نفس الشيء تقريبًا!”

أومأت برأسي وأجبت: “تشرين كانت نقطة تحول يا أحمد، لكن التغيير الكبير يحتاج وقتًا. المستقلون الذين برزوا بعد تشرين، مثل بعض النواب في انتخابات 2021، نجحوا في تمثيل صوت الشارع داخل البرلمان. دافعوا عن قضايا مثل تحسين الخدمات ومحاسبة الفاسدين، لكن دورهم ما زال محدودًا بسبب هيمنة الأحزاب الكبرى. وهذا لا يعني أنهم فشلوا، بل أنهم بحاجة إلى دعمكم. التغيير يبدأ بخطوات صغيرة، وكل صوت يدعم المستقلين يقربنا من الهدف.”

بينما كان أحمد يفكر بكلامي، التفتت ريم، وهي طالبة هندسة، وقالت بنبرة عملية:
“بس يا دكتور، المستقلين ما عدهم موارد! الأحزاب عدها فلوس ونفوذ، فكيف يقدرون ينافسوهم؟”

أجبتها وأنا أشير إلى الشباب من حولي: “صحيح يا ريم، نقص التمويل تحدٍ كبير. لكن قوة المستقلين ليست في المال، بل في ثقة الشعب. المستقلون يعتمدون على الأفكار والشفافية. على سبيل المثال، نشطاء تشرين الذين تحولوا إلى مرشحين مستقلين نجحوا في كسب مقاعد بالبرلمان بفضل دعم الشباب مثلكم، وليس بفضل المال. إذا توحدنا خلفهم، يمكنهم تحقيق تأثير كبير رغم قلة مواردهم.”

أخيرًا، رفع علي، وهو صاحب متجر صغير، عينيه عن فنجان القهوة وقال بنبرة متشككة:
“أنا أشوف إن المستقلين مجرد واجهة. يجي يوم وينضمون للأحزاب الكبيرة حتى يضمنون كراسيهم.”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار