البُعد السياسي والعسكري لـ”طوفان الاقصى”

بقلم عبد الحكم الكيلاني|..
تعجز الدبلوماسية أحيانا عن حسم الصراعات والخلافات الدولية.. فتتجه الأطراف المتصارعة إلى العمل العسكري حلا للصراع، وهذا ما نشاهده في كثير من المواجهات العسكرية.. فالحرب في العلوم السياسية ليست سوى واحدة من حالات العلاقات الدولية.
ولكن ماذا عن العلاقة بين محتل غاصب وشعب مقاوم؟ ومالذي دفع حماس الى شن هجمات تنال من كرامة إسرائيل وتدفعها نحو انتقام قد يكون ثمنه باهضا؟ وهل في جعبة حماس ما تستطيع الرد به؟ وهل ستتسع دائرة النزاع؟
وللإجابة عن هذه التساؤلات ينبغي معرفة طبيعة العلاقة بين إسرائيل والشعب الفلسطيني، إذ هي علاقة نزاع غير دولي مستمر تنشب ناره بين حين وآخر، وفي كل مرة كان المحتل يتمكن من الحسم لصالحه؛ بسبب إمكاناته العسكرية والتكنلوجية غير أن هذه الهجمة أثبتت تطور حماس على المستوى التكتيكي العسكري وقدرتها على خداع العدو باستغلال هفواته، وانشغاله بالمشاكل الداخلية على المستوى السياسي، فضلا عن انشغال واشنطن بحرب أوكرانيا.
هذه العلاقة القائمة على مبدأ (أكون أو لا أكون) طالما تحكمت في تحديد طبيعتها أطراف أعطت لنفسها الوصاية على شعب فلسطين وقضيته العادلة، لكنها اليوم تسارع في التطبيع مع الاحتلال للخلاص من آخر أعباء مرحلة كانت تمثل إسرائيل عدوا مباشرا باتت إيران تأخذ مكانه اليوم في عيون العرب، مما دفع حماس لإعطاء زخم كبير للقضية وصعقة لمسار التطبيع، غايتها التأكيد على عدم القبول بأن تكون فلسطين ضحية على مذبح مصالح دول المنطقة.
ومن جهة أخرى فإن فإن “محور إيران” في المنطقة قد يكون المستفيد من شن الهجمة في هذا التوقيت، خصوصا مع اشتداد العقوبات الاقتصادية وتضيق الخناق المالي مع انعدام رؤية لأفق الحل السياسي في حل هكذا مشكلات ما يدفعها لشن هجوم يمكنها من خلاله كسب أوراق ضغط جديدة للتفاوض أو حتى لخلق نوع من الإرباك الأمني في المنطقة يكسبها هامشا من المناورة الاقتصادية والتهرب من حبل العقوبات الخانق، ومع ذلك فإن الثمن بالنسبة لحماس يبقى أشد كلفة ما لم يكن لديها وجبة ثانية من الصدمات لقلب موازين الصراع بشكل يجبر آلة الحرب الإسرائيلية على التراجع وإيقاف القصف المتواصل منذ أيام.
لكن تفوق العسكري والتكنلوجي للعدو الصهيوني يدفعنا الى التسائل حول ما يوجد في جعبة حماس للرد على اسرائيل، فالمعركة حتى الآن تتخذ شكل حرب الصواريخ، ولم تكشف حماس عن كل ما لديها “بحسب تصريحات قادتها” في حين ظهرت اسرائيل بإسلوبها وادواتها المعتادة بالقتال بالقصف المكثف على الأحياء السكنية، متريثة في التقدم البري، لانها متخوفة مما لدى حماس على الأرض.. الأرض التي لا تصب في مصلحة الاحتلال اتساع دائرة الصراع عليها.. فهل ستتسع؟ وهل سنشهد أطرافا أخرى في القتال المباشر؟
لا تملك الطائرات والصواريخ في السماء أو الجنود والمدرعات في الأرض جوابا لهذا السؤوال، لكن الإقرب لمعرفته هي البارجات في البحر.. فالدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة للاحتلال الإسرائيلي ميدانيا تمثل بإرسال بارجتين إلى منطقة شرق المتوسط لمنع توسع رقعة النزاع ليصيح إقليميا فهي تسعى لإبقاء النزاع داخليا لعلمها بعجز إسرائيل على القتال على أكثر من جبهة.
وعلى العموم فإن هذه الحرب ما تزال حربا غير تقليدية وتنتظر مزيدا من المفاجت التي تحول دون ترجيح كفة طرف على آخر، ما يعني أن الحسم هذه المرة ليس بالضرورة أن يكون إسرائيليا، إذ لم تتكشف بعد إمكانية اسرائيل على المطاولة.