الانتخابات العراقية بين المال والسلاح والمبعوث الأميركي.. مشهد مضطرب يبحث عن ثقة ضائعة

خاص|

تتزايد المؤشرات على أن الانتخابات العراقية المقبلة لن تكون سهلة، لا من حيث البيئة السياسية ولا من حيث الثقة الشعبية والمؤسساتية. فمع اقتراب موعد الاقتراع، تعيش الساحة العراقية حالة من التداخل بين المال السياسي والتحالفات المتقلبة وقرارات استبعاد متكررة أربكت حسابات القوى، في وقت تتجه فيه الأنظار إلى التحركات الأميركية الجديدة في بغداد التي تحمل بوادر تدخل سياسي واضح في رسم شكل الحكومة المقبلة.

وتبدو الخريطة الانتخابية اليوم متشظية إلى حد كبير، حيث تتوزع القوى بين تحالفات مصلحية وأخرى شكلية لا يجمعها برنامج موحد أو رؤية واضحة.

وفي هذا السياق، قالت الباحثة السياسية نوال الموسوي إن “عامل الاستقرار السياسي مفقود بشكل واضح في المشهد الانتخابي”، مشيرةً إلى أن “العديد من المرشحين انضموا إلى القوائم بدوافع مصلحية مؤقتة، لا بهدف طرح مشاريع وطنية حقيقية أو برامج فاعلة”.

وتضيف الموسوي لـ”منصة جريدة” أن “المشكلة الأساسية تكمن في غياب الانسجام داخل تلك القوائم، إذ تضم شخصيات مختلفة في التوجه والانتماء، مما يجعلها تحالفات قصيرة الأمد تنتهي غالباً بعد الوصول إلى البرلمان”.

ويرى مراقبون أن هذه التحالفات المصلحية تؤشر نمطاً متكرراً في الحياة السياسية العراقية منذ عام 2005، حيث تتشكل الكتل وفق التمويل والنفوذ أكثر من البرامج والأفكار، ما أدى إلى برلمانات متناقضة في المواقف وعاجزة عن الإصلاح الحقيقي.

ومع تصاعد الحديث عن ضعف الانسجام الداخلي بين القوائم، جاءت قرارات استبعاد عدد من المرشحين قبل أيام قليلة من موعد الاقتراع لتزيد من حدة التوتر وفقدان الثقة بالعملية الانتخابية.

وفي هذا الإطار، اعتبر الباحث السياسي طالب محمد أن “استمرار قرارات الاستبعاد لا يمكن النظر إليه كإجراء إداري عابر، بل يمثل مؤشراً على اضطراب أعمق في البيئة الانتخابية العراقية”.

وأوضح لـ”منصة جريدة” أن “تكرار عمليات الإقصاء في اللحظات الأخيرة يعكس حالة من القلق المؤسسي وضعف التنسيق بين المفوضية والجهات الرقابية والقضائية”، مبيناً أن مثل هذه الإجراءات كان ينبغي أن تُحسم في وقت مبكر لضمان وضوح الصورة أمام الناخبين والمرشحين، وتعزيز الثقة في نزاهة العملية.

وتشير مصادر في المفوضية إلى أن بعض قرارات الاستبعاد جاءت نتيجة طعون متأخرة، فيما يرى مراقبون أن هذه الظاهرة تكشف ضعف القواعد القانونية الناظمة للعملية الانتخابية، خصوصاً في ظل غياب الشفافية والاعتماد على إجراءات غير موحدة بين المحافظات.

ويخشى مراقبون أن يؤدي هذا الوضع إلى اهتزاز الثقة الشعبية بالمفوضية، خصوصاً مع شعور عدد من المرشحين المستقلين بأن العملية الانتخابية أصبحت غير متكافئة، ما قد ينعكس على نسب المشاركة في يوم التصويت.

وفي الوقت الذي تتخبط فيه القوى المحلية بين الانسحابات والاتهامات، جاء التحرك الأميركي الأخير بإرسال مبعوث خاص إلى بغداد ليضيف بعداً جديداً إلى المشهد.

وقال المحلل السياسي حسين الأسعد إن “إرسال مبعوث أميركي خاص إلى العراق في هذا التوقيت لا يعدّ خطوة اعتيادية، بل يأتي ضمن تحرك أميركي لمعالجة ملفات سياسية حساسة قبيل الانتخابات العراقية”، مشيراً إلى أن “وجود المبعوث سابانا يعكس رغبة واشنطن في التأثير المباشر على شكل الحكومة المقبلة”.

وبيّن الأسعد في حديثه لـ”جريدة” أن “الولايات المتحدة تنظر إلى العراق بوصفه ساحة أساسية للضغط على إيران وتقليص نفوذها في المنطقة”، مؤكداً أن “الإدارة الأميركية تريد أن تكون بصمتها واضحة في تشكيل الحكومة العراقية القادمة، بحيث تضمن تمرير رؤيتها السياسية وعدم تمكين أصحاب السلاح من دخول الحكومة التنفيذية”.

وأضاف أن “واشنطن قد تتساهل مع وجود بعض القوى المسلحة في البرلمان، لكنها لن تقبل بمشاركتها في الحكومة”، متوقعاً أن تكون الحكومة المقبلة “حكومة أغلبية بسيطة تقوم على توازنات محددة لتفادي نفوذ السلاح السياسي”.

ويرى مراقبون أن واشنطن تحاول هذه المرة الإمساك بخيوط اللعبة السياسية مبكراً، مستفيدة من تراجع النفوذ الإيراني في ظل العقوبات وتزايد التململ الشعبي داخل العراق من سطوة السلاح.

ويضيف محللون أن التحركات الأميركية قد تتجاوز الإطار الانتخابي نحو إعادة رسم التوازنات الداخلية، وربما فتح الباب أمام مشاريع فدرالية جديدة، خصوصاً في ظل الخطاب المتصاعد حول مركزية القرار وضعف أداء الدولة في إدارة المحافظات.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار