الإنسان بين التهجير والتحرير

بقلم/ شهد كنعان مجيد
التهجير: هو عملية قسرية تُجبر الإنسان على مغادرة موطنه نتيجة الحرب ،الاحتلال ،الكوارث، أو السياسات العنصرية. وينقسم إلى داخلي (داخل حدود الدولة) وخارجي (عبر الحدود)، ويعد انتهاكاً صارخا لحقوق الإنسان وفق القانون الدولي.
اما التحرير: فهو استعادة الأرض أو الحقوق أو الهوية بعد فترة من الاحتلاف أو القمع. لكنه لايختزل في استرجاج الجغرافية، بل يشمل استعادة السيادة النفسية والاجتماعية والثقافية.

اثار البعد النفسي والاجتماعي على الفرد:
ان أصعب شعور في العالم هو شعور التهجير وترك بلدك وبيتك، ولا أحد يشعر بك إلا من عاش نفس وجعك هو فقدان الشعور بالأمان والانتماء واضطرابات نفسية وصحية. وصحيحٌ أن بلادنا تمر بظروف صعبة جداً؛ الملايين هُجّروا، ومئات الآلاف قُتلوا، والمئات غرقوا في البحار بحثاً عن ظروف معيشية أفضل. فالهجرة تحدث لأسباب اقتصادية واجتماعية، وللبحث عن فرص عمل وتحسين مستوى المعيشة، أو للهروب من الاحروب والاضطهاد الذي يعيشه الإنسان داخل بلده، باحثين عن بريق أمل ظنّوا أنه لن يعود.
وان كل المآسي التي نراها ونعيشها ونسمع بها، ليست سوى تحدٍّ لنا بأن ننهض بأمتنا، ننهض بها كي لا نسمح لها بأن تسقط في المستنقع الذي وقعت فيه. ومأساة الهجرة أن تحاول أن تجمع بين بلد الأم وبلد المهجر، فيختلف عليك الأمر، وتشعر بالغربة والوِحدة، ويمر عمرك بسرعة دون أن تشعر.
طبيعة الشعوب بين التهجير والتحرير:
ان الشعوب التي خاضت تجربة التهجير تتسم بالصبر، بالتماسك الداخلي ،وبالحنين الجماعي .اما الشعوب التي خاضت تجربة التحرير ،فتتسم بالوعي السياسي ،بالاعتزاز ،وبالقدرة على البناء .لكن التحدي الأكبر هو ألا يتحول التحرير الى لحظة رمزية،بل الى مشروع مستدام يعالج اثار التهجير يمنع تكراره. فالانسان بين التهجير والتحرير، هو انسان بين الذاكرة والحلم، بين الألم والأمل ، بين الماضي والمستقبل .التهجير يفقد المكان ،والتحرير يعيد له المعنى. لكن الأهم من كليهما هو أن يبقى الإنسان قادراً على الحلم ،على المقاومة، وعلى اعادة تعريف ذاته رغم كل شيء
وفي النهاية، حين يهدأ كل شيء، يبقى حضن الأهل هو الوطن الذي لا يُقاس بالحدود ولا يُختزل بالجغرافيا. هو الدفء الذي لا يُغادر القلب، والحنين الذي لا يُشفى. ومهما ابتعدنا، نظل غرباء في كل مكان، إلا ذاك المكان الذي نُدعى فيه بأسمائنا، وتُفتح لنا الأبواب دون سؤال.



