تقرير: كردستان أمام توازن قلق وثلاثة سيناريوهات لمستقبل الحكم الداخلي

نقطة تحول في علاقات الأطراف المتصارعة

 

متابعات|

سلّط تقرير صادر عن مركز الإمارات للسياسات الضوء على التحولات السياسية والأمنية المتسارعة التي يشهدها إقليم كردستان العراق، في ظل صراع الحزبين الرئيسين وتراجع أدوار المعارضة، وما يثيره ذلك من تساؤلات حول مستقبل صيغة الحكم الداخلي وعلاقة الإقليم ببغداد، في وقت تتقاطع فيه المتغيرات المحلية مع أحداث إقليمية أوسع.

وبحسب التقرير، الذي تابَعته “منصة جريدة، فإن التطورات الأخيرة في السليمانية، ولا سيما حملة الاعتقالات التي طالت شاسوار عبد الواحد، زعيم حركة الجيل الجديد، ولاهور شيخ جنكي، زعيم “جبهة الشعب” وخصم بافل طالباني داخل “الاتحاد الوطني الكردستاني”، تمثل نقطة تحول كبيرة في مسار الصراع الداخلي الكردي. إذ كشفت هذه الأحداث عن مسعى واضح من جانب “الاتحاد الوطني” لإعادة ترتيب أوراقه وإحكام السيطرة على السليمانية، سواء من الناحية الأمنية أو السياسية، وذلك من خلال تحجيم المعارضة وقطع الطريق أمام أي محاولات لإعادة إنتاج قيادات منافسة.

وأضاف التقرير أن هذه الحملة لم تأتِ بمعزل عن الظروف الإقليمية والدولية، بل تزامنت مع انسحاب القوات الأمريكية من بعض القواعد في العراق وتمركزها في قاعدة حرير بأربيل، فضلاً عن التصعيد الإيراني–الإسرائيلي وتداعياته على الداخل العراقي. وهو ما يمنح الخطوات الأخيرة بعداً استراتيجياً أعمق، يتمثل في رغبة “الاتحاد الوطني” بتأمين جبهته الداخلية قبيل الاستحقاقات المقبلة، وحرص بافل طالباني على تثبيت موقعه على رأس الحزب وإعادة الاعتبار إلى مركز السليمانية.

وأشار إلى أن معادلة الحزبين الرئيسين، “الاتحاد الوطني الكردستاني” و”الحزب الديمقراطي الكردستاني”، لم تعد محكومة فقط بالتوازنات الداخلية، بل باتت مرتبطة بملفات إقليمية معقدة. فالعلاقة مع تركيا مرهونة بمسار التسوية مع حزب العمال الكردستاني، والعلاقة مع إيران محكومة باعتبارات النفوذ التقليدي في السليمانية، أما الملف السوري فيعكس الانقسام الواضح بين الاتحاد القريب من “قسد” والديمقراطي المتواصل مع القوى الكردية المناوئة لها.

وأكد التقرير أن ما يجري اليوم ليس مجرد تصفيات سياسية عابرة، بل خطوة لإعادة فرض الثنائية التاريخية التي حكمت إقليم كردستان لعقود طويلة، بعد أن تراجعت معظم القوى المعارضة التي حاولت كسر هذه الثنائية. فقد انحسرت حركة “التغيير” إلى حد الغياب، وفشل برهم صالح في تثبيت مشروعه الخاص عبر حزب “التحالف من أجل الديمقراطية”، فيما تعرّض حزب “الجيل الجديد” لضربة قوية باعتقال زعيمه شاسوار عبد الواحد، ما جعل المشهد الكردي يتجه مجدداً نحو ثنائية مغلقة بين أربيل والسليمانية.

وبحسب التقرير، فإن مستقبل كردستان يقف اليوم أمام ثلاثة سيناريوهات رئيسة:

السيناريو الأول: إعادة التحالف بين الحزبين الرئيسين.
يتضمن هذا السيناريو استمرار التعاون بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، وتشكيل حكومة الإقليم وفق الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. ووفق الترتيب المتوقع، يتولى الحزب الديمقراطي رئاستَي الإقليم والحكومة، بينما يتولى الاتحاد رئاسة البرلمان ونائب رئاسة الحكومة إضافة إلى وزارات سيادية. ويرى التقرير أن هذا الخيار، رغم أنه يحظى بقبول داخلي وخارجي، إلا أنه يواجه عقبات كبيرة، أبرزها الخلاف حول الوزارات الحساسة مثل الداخلية والثروات الطبيعية، فضلاً عن أن الدعاية الانتخابية لانتخابات نوفمبر 2025 قد تزيد من حدة التباينات وتعرقل التفاهمات.

السيناريو الثاني: انقسام الإقليم إلى إدارتين مستقلتين.
ويتمثل هذا السيناريو في تمسّك كل طرف بمطالبه ورؤيته الخاصة، ما يؤدي إلى انقسام فعلي بين أربيل والسليمانية. لكن التقرير يشير إلى أن هذا الخيار محفوف بعقبات قانونية ودستورية، إضافة إلى رفض دولي متوقع، إذ لا ترغب القوى الغربية في ظهور سلطتين كرديتين خاضعتين لنفوذ مباشر من تركيا وإيران. كما أن السليمانية تعاني من محدودية في الموارد، وتفتقر إلى بوابات تصدير النفط الرئيسية الموجودة بيد أربيل ودهوك، ما يجعل الانقسام غير عملي على المدى الطويل.

السيناريو الثالث: استمرار التقارب الهش المشوب بالحذر.
ويرجح التقرير أن يكون هذا السيناريو هو الأقرب للواقع، حيث سيستمر التعاون بين الحزبين لكن بشكل هش حتى انتهاء الانتخابات العراقية المقررة في نوفمبر المقبل. وخلال هذه الفترة، سيحاول كل طرف تعزيز قوته الداخلية وإدارة الخلافات بشكل محسوب لتجنب الانزلاق إلى صدامات مفتوحة، ريثما تتضح نتائج الانتخابات العراقية ومسار الملفات الإقليمية مثل التسوية التركية–الكردية، واحتمال اندلاع جولة جديدة من الحرب الإيرانية–الإسرائيلية.

ولفت التقرير إلى أن السيناريو الثالث يعكس طبيعة العلاقة بين الحزبين التي اتسمت تاريخياً بالمد والجزر، حيث لا يمكن لأي طرف أن يفرض سيطرته الكاملة على الإقليم، وفي الوقت نفسه لا يستطيع أن يخرج من معادلة التوازن القائم. لذلك، فإن استمرار التعاون الهش يبقى خياراً اضطرارياً يمكّن الطرفين من اجتياز المرحلة الراهنة بانتظار تسويات أوسع على مستوى العراق والمنطقة.

وخَلُص التقرير إلى أن إقليم كردستان يعيش اليوم حالة “توازن قلق”، وأن مآلات الصراع أو التفاهم بين طالباني وبارزاني ستنعكس مباشرة على وحدة التجربة الكردية، سواء من خلال إعادة إنتاج الثنائية الحزبية التاريخية أو الانزلاق إلى انقسامات تهدد استقرار الإقليم وتضعف موقعه في بغداد والإقليم.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار