“كيف يجب أن يكون شكل القانون في حياتنا”

بقلم/ يونس الشبل
كثيرون يرون ان القانون كياناً جامداً، قائماً على العقاب والمنع والتنكيل في بلدنا العراق، وايضاً مجموعة من القواعد الجافة التي تحد وتضيق من حريتنا. لكن هناك من ينظرون إليه بعين أخرى، عين مليئة بالاحترام والتقدير،السؤال هنا كيف يمكن أن ينشأ “حب القانون”وما هي مظاهر هذه العلاقة الفريدة؟
حب القانون لا ينبع من الخوف من العقاب، بل من الفهم العميق لدوره الحقيقي في حياتنا.اي إنه حب ينبثق من إدراك أن القانون ليس قيداً او سجناً، بل هو إطار يحمي الضعيف من جبروت القوي، ويحمي الحقوق الأساسية للفرد والمجتمع، ويؤمن الاستقرار الذي يسمح للحياة بالازدهار والمضي نحو المستقبل. حب القانون هو حب للأمان الذي يشعر به الفرد عندما يعلم أن حقوقه مصونة، وأن العدل و العدالة قائمة.
ينبع هذا الحب أيضاً من تقدير جمال النظام والعدالة التي يجسدهما القانون. هناك جمال فكري في بناء نظام قانوني متناسق، يحاول بإنصاف تنظيم العلاقات المعقدة بين البشر التي تنشاء بسبب الاختلافات الفكرية الفلسفية. حب القانون هو إعجاب بالجهود البشرية الجبارة عبر التاريخ لصياغة قواعد تحقق التوازن بين المصالح المتضاربة المعنويه منها والمادية، وتسعى لتحقيق “الإنصاف” الذي هو روح العدالة او روح القانون، وإنه تقدير للعقل الجماعي الذي يصوغ هذه القواعد كتعبير عن القيم المشتركة في المجتمع.
علاوة على ذلك، فإن فهم القانون هو حب للحرية الحقيقية. المفارقة العميقة هنا أن القانون، الذي قد يبدو مقيداً لبعض الناس من الوهلة الأولى،بل هو في الواقع الضامن الأساسي للحرية،فكيف يمكن أن نكون أحرارًا حقًا إذا كنا نخشى اعتداء الآخرين على حياتنا أو ممتلكاتنا أو كرامتنا؟
والقانون، بضمانه للأمن وحماية الحقوق، يخلق المساحة الآمنة التي تزدهر فيها الحريات الفردية والابتكار والتعبير. وعلى سبيل المثال القانون هو فهم أن قواعد المرور، ليست للتقييد حركتك، بل لضمان وصول الجميع بأمان دون حوادث.
الاحترام الواعي هو أحد أبرز مظاهر حب القانون. ليس احترامًا أعمى ناتجًا عن الخوف، بل احترام نابع من اقتناع بقيمته وفائدته للمجتمع ككل. هذا الاحترام يدفع الفرد إلى الامتثال الطوعي للقانون، ليس فقط خشية العقاب، بل لأنه يعتبره الصواب الذي يجب فعله للحفاظ على نسيج المجتمع. وهو ما يدفع البعض إلى العمل في مجال القانون – كقضاة، ومحامون، وأكاديميون – بدافع شغف حقيقي لخدمة العدالة وصيانة حكم القانون.
في النهاية، القانون في حياتنا هو عقد الاجتماعي الذي نعيش بموجبه. هو قبول بأننا، كأفراد في مجتمع، تنازلنا طوعاً عن جزء من حريتنا المطلقة (كأن نعتدي على الآخرين) مقابل حماية حقوقنا الأساسية وضمان العيش المشترك الآمن والمستقر. إنه حب لروح العدالة التي يتوق إليها الإنسان منذ الأزل، والتي تجسدت في أفضل صورة ممكنة – حتى الآن – في القوانين العادلة. إنه الاعتراف بأن القانون، في جوهره النبيل، هو محاولة إنسانية مستمرة ومتطورة لتحقيق نظام يحترم الكرامة ويضمن الحقوق ويحقق الإنصاف، وهذه قيم تستحق الحب والدفاع عنها.