أجيال من العاطلين _ التعليم في العراق

 

بقلم/ شُبر عبد الوهاب – كاتب وباحث سياسي عراقي

عانت المنظومة التعليمية في العراق بعد عام 2003 من انتهاكات وأزمات متكررة نتيجة الحروب والانسداد السياسي المتولِّد من تغيير النظام السياسي السابق وتراكم الفساد الإداري والمالي في مؤسسات الدولة، مما أدى إلى ضعف الدور التعليمي والتربوي في العراق. الحديث عن التعليم مهم ومتشابك، ولأن العملية التعليمية هي حجر الزاوية بالنسبة لكل نظام سياسي مهتم بتنشئة الأفراد وصقل الجوانب العلمية والمعرفية لأفراد المجتمع، ولأن تقدم الشعوب يُقاس دائمًا بمدى تطور ورقي المنظومة التعليمية، حيث إن الدول المتقدمة والمتحضرة أولت اهتمامًا أكبر لدور التعليم ورعايته، عكس البلدان النامية أو التي خاضت حروبًا ومشاكل سياسية متكررة، مما جعل التعليم والاهتمام به في أواخر اهتماماتها.

فساد التعليم ضريبة مستمرة.

إن فساد التعليم في العراق لا ينم عن ضعف مؤسسات التعليم وأجهزتها الإدارية والهيكلية فقط، وإنما يمتد إلى أوسع من ذلك ليشمل الموظف الحكومي والطالب والأستاذ الجامعي الذين لهم دور لا يقل عن إهمال الحكومات المتعاقبة على العراق بعد عام 2003 في هشاشة الدور التعليمي وبناء الأجيال بصورة نمطية تقليدية لا ترتقي بالمهام المناطة بها. وهذا لا يعني أن النظام السياسي السابق لم يكن له دور في إضعاف البنية التعليمية من خلال تجنيد الأفراد وإعطاء الأولوية للحروب التي خاضها، بحيث أصبح هم المواطن العراقي هو كسب لقمة العيش، وسياسات القمع والإجبار للانخراط في القوات المسلحة. ساعدت البيروقراطية الإدارية في مؤسسات الدولة على تفشي الفساد، وبالأخص في مؤسسة التعليم والتلكؤ في أداء المهام.

خريجون بلا مستقبل..

وبالحديث عن دور الطالب والأستاذ الجامعي في توسيع فجوة التعليم وفسادها، التي تتمثل في السلوكيات النفسية للكوادر التعليمية، وعن عدم تمتع الكثير من هذه الكوادر بالخبرة والمهارات اللازمة لقيادة الدور التعليمي، والتي جاءت بفعل دور المحسوبية والوساطة، أو من خلال الاهتمام بالمسميات الوظيفية والترقيات العلمية، إذ أضحت عملية الحصول على تلك المسميات الهدف الأهم بدلًا من تربية الأفراد والاهتمام بدور التنشئة التعليمية التي تكون على عاتق الكوادر التعليمية في ممارسة أهدافها. الأهم هو تخريج أجيال من المتعلمين القادرين على إدارة التغيير وقيادة المستقبل، ومن المؤسف أن الشهادات الأكاديمية أصبحت ليست سوى أقنعة مرخّصة من الدولة لطمس جهل المتخلفين، لذلك أصبح السعي إليها أهم من كسب معانيها، والمعيب أكثر هو من اعتمدها معيارًا للمكانة العلمية والاجتماعية.

مناهج متخلفة وفساد مستمر: مستقبل التعليم في العراق على المحك!

لا ننسى الفساد الحاصل في العملية المكررة لطبع المناهج التربوية في العراق، التي كلفت خزينة العراق ملايين الدولارات بدون فائدة حقيقية لتلك المناهج، حيث إن هذه المناهج لا تواكب المتغيرات والتطورات الحاصلة في ظل تطور العالم والاستعانة بالتكنولوجيا والمعلومات، واستخدام أحدث الأدوات والإمكانات العلمية، وكذلك كونها لا تواكب التغيير السريع في قطاعات العمل المختلفة التي من شأنها أن تمكِّن الخريج أو الطالب وتساعده على امتلاك المهارات اللازمة لسوق العمل، وهو يُعد المحور الأهم الذي يعاني منه الخريجون في ظل ازدياد أعداد البطالة في العراق، وبالذات حملة الشهادات.

تكاثر عددي وتناقص في الجودة والرصانة..

فضلًا عن انتشار الجامعات والكليات الأهلية، حيث يضم العراق أكثر من 65 جامعة وكلية أهلية معترف بها رسميًا من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وتضم تلك الجامعات ما يقارب 570 قسمًا في اختصاصات المجموعات الطبية والهندسية، بالمقابل أن عدد الجامعات الحكومية في العراق بلغ 35 جامعة فقط، حيث إن التعليم الأهلي في العراق هو ليس سوى تكاثر عددي وتناقص في الجودة والرصانة.

أزمات متجذرة ومستقبل مجهول للخريجين

إن عدم الاهتمام والتوجّه الحقيقي لوضع الحلول والخطط من قبل الحكومات للنهوض بواقع التعليم في العراق من الممكن أن يولّد أزمات اجتماعية وسياسية تؤثر على بنية المجتمع وتراجع دوره في عملية بناء وتنشئة الأفراد، وحدوث انقسامات وتكوين بيئة خصبة لانجرار الشباب إلى الأعمال غير القانونية والانضمام إلى المنظمات الإرهابية، وكذلك لولادة الاحتجاجات التي تؤثر على سير العملية السياسية. لذلك، فإن أي محاولة لعدم الاهتمام بالتعليم وبواقع الخريجين سيبقى مستقبلهم مجهولًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار