الحشد الشعبي

بقلم/  عامر فاخوري – أستاذ القانون الدولي – الجامعة الأمريكية في الإمارات

شهد البرلمان العراقي خلال الاسابيع الاخيرة جدلا واسعا حول مشروع قانون الحشد الشعبي، وهو مشروع يهدف الى اعادة هيكلة الهيئة ومنحها اطارا قانونيا جديدا. ورغم اكمال القراءة الثانية في منتصف يوليو الماضي، الا ان الطريق نحو التصويت النهائي ما يزال معقدا بفعل ضغوط سياسية داخلية واقليمية ودولية.

المجتمع الدولي تابع هذا الملف باهتمام بالغ، الا ان الموقف الاكثر وضوحا كان من الولايات المتحدة التي ابدت رفضا قاطعا لتمرير القانون. واشنطن تعتبر ان هذا التشريع قد يفضي الى تحويل الحشد الى مؤسسة موازية للجيش العراقي على غرار الحرس الثوري الايراني، وهو ما ترى فيه خطرا مباشرا على سيادة الدولة العراقية وتماسك مؤسساتها الامنية. كما حذرت الادارة الاميركية من ان تمرير القانون قد يهدد مستقبل التعاون الامني والعسكري بين العراق والتحالف الدولي ضد الارهاب.

الموقف الاميركي لم يقتصر على التصريحات، بل تجسد ايضا في ممارسة ضغوط دبلوماسية مباشرة على الحكومة العراقية، ودعم المواقف البرلمانية المعارضة للقانون، لا سيما من قبل القوى السنية والكردية. بل وصل الامر الى التلويح باجراءات عقابية ضد شخصيات سياسية او عسكرية مرتبطة بالحشد في حال تم تمرير التشريع.

هذا الضغط الدولي يعكس قلقا اوسع لدى المجتمع الدولي من ان يؤدي القانون الى تكريس الانقسام الداخلي في العراق، وتعزيز النفوذ الاقليمي لايران، على حساب مشروع الدولة الوطنية الجامعة. ومن هنا يمكن القول ان العراق يجد نفسه امام معادلة صعبة: فمن جهة هناك قوى داخلية تدفع باتجاه تقنين وضع الحشد وضمان حقوق منتسبيه، ومن جهة اخرى هناك رفض دولي يرى في هذا القانون تهديدا لاستقرار المنطقة وللتوازنات الاقليمية.

في ضوء هذه التعقيدات، تبدو فرص تمرير القانون في الدورة البرلمانية الحالية ضئيلة. فالتقديرات تشير الى ان الملف قد يؤجل لما بعد الانتخابات المقبلة في نوفمبر 2025، حيث ستحدد نتائجها شكل التوازنات الداخلية ومدى قدرة القوى السياسية على تحدي الارادة الدولية.

ان ما يجري اليوم يكشف عن مازق عراقي متكرر: السعي لتثبيت معادلات داخلية تصطدم في كل مرة بحسابات اقليمية ودولية اكبر من قدرة بغداد على تجاوزها. وهو ما يضع العراق مجددا في موقع الميدان الذي تختبر فيه صراعات النفوذ اكثر مما تحسم فيه خيارات الدولة.