الموازنة العامة وإقليم كردستان: رؤية قانونية ومالية

بقلم/ د. أحمد هذال – أستاذ الاقتصاد المالي

غالبًا ما تتضمن قوانين الموازنة العامة نصوصًا تُلزم إقليم كردستان بتسديد مستحقات النفط المصدّر بالكميات التي تحددها شركة تسويق النفط (سومو)، بالإضافة إلى الإيرادات غير النفطية. كما تنص القوانين على منع تسديد النفقات للإقليم في حال عدم الالتزام بهذه الالتزامات، مع تحميل المخالفين المسؤولية القانونية. ورغم تكرار هذه الفقرة في معظم قوانين الموازنة العامة، إلا أن الإقليم لم يلتزم بتسوية هذا الموضوع، حيث تم تجاوزها أكثر من مرة منذ عام 2003. وقد أُرسلت مبالغ مالية لتمويل نفقات الإقليم بناءً على اتفاقات سياسية، وهو أمر تعجز النصوص القانونية عن التصدي له، كما حدث في الحكومات السابقة والحالية.
قرارات المحكمة الاتحادية العليا
في 15 فبراير 2022، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا حكمها في الدعوى رقم (59/اتحادية/2012) وموحدتها (110/اتحادية/2019) بعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كردستان رقم (22) لسنة 2007، وألغته لمخالفته أحكام المواد (110، 111، 112، 115، 121، 130) من دستور جمهورية العراق لعام 2005. وقد ألزم الحكم حكومة الإقليم بما يلي:
1-تسليم كامل إنتاج النفط من الحقول النفطية في الإقليم والمناطق الأخرى التي قامت وزارة الثروات الطبيعية باستخراج النفط منها إلى الحكومة الاتحادية، ممثلة بوزارة النفط.
2-تمكين وزارة النفط من ممارسة صلاحياتها الدستورية فيما يخص استكشاف النفط واستخراجه وتصديره.
3-مراجعة كافة العقود النفطية المبرمة من قبل حكومة الإقليم مع الأطراف الخارجية (دول وشركات) وتحديد الحقوق المالية المترتبة عليها.
وفي 21 فبراير 2024، أصدرت المحكمة قرارها ضمن الدعوى رقم (224/اتحادية/2023) وموحداتها، والذي ألزم بتوطين رواتب جميع موظفي الإقليم، بما في ذلك رواتب التقاعد والمنح الاجتماعية، للحد من تكرار الأسماء والتسجيل البايومتري المزدوج. ومع ذلك، لا يزال الإقليم يفتقر إلى الشفافية بشأن إيراداته النفطية وغير النفطية، بالإضافة إلى غياب الوضوح في بنود الإنفاق.
التحديات والمخالفات المالية
لا يُعد منصفًا أن تتحمل الحكومة المركزية أعباء عقود مشاركة النفط والاتفاقات الخارجية غير الدستورية التي يبرمها الإقليم دون موافقتها. كما أن تمويل الحكومة المركزية للإقليم يُعد مخالفة واضحة لأحكام المادة (12) من قانون الموازنة العامة الثلاثية. ورغم ذلك، ما زالت الاتفاقات السياسية تُعتبر أقوى من القوانين النافذة، مما يعكس هيمنة الاعتبارات السياسية على المبادئ القانونية.
وقد أشارت وزارة المالية إلى عدم التزام الإقليم بتنفيذ بنود الموازنة العامة الثلاثية وقرارات المحكمة الاتحادية. ففي عام 2024، بلغت حصة الإقليم حوالي 11.765 ترليون دينار من إجمالي الإنفاق الفعلي البالغ 156 ترليون دينار، بينما مُوّل الإقليم بمبلغ 10.079 ترليون دينار، رغم مخالفته للقوانين النافذة.
وانطلاقًا من مبادئ العدالة والمساواة، يجب اتخاذ الخطوات التالية لضمان الالتزام بالقوانين وتطبيقها بشفافية:
-تعديل نصوص الموازنة العامة، خاصة المادة (12)، لتشمل ضمانات قانونية تُلزم الأطراف كافة بتنفيذها.
-توحيد إيرادات المحافظات، بما فيها الإقليم، في حساب خزينة الدولة المركزي.
-تعزيز دور ديوان الرقابة المالية الاتحادي في مراقبة بنود الموازنة العامة في الإقليم.
-إعادة النظر في عقود استخراج النفط وتكريره والاتفاقيات المتعلقة بسيادة العراق.
-ضمان توزيع عادل للدخل والثروة بعيدًا عن تأثير الأحزاب السياسية، سواء في المركز أو في الإقليم.
إن تحقيق هذه الإصلاحات سيعزز من عدالة توزيع الثروات الوطنية ويضمن احترام القوانين، بما يحقق مصلحة جميع مواطني العراق دون تمييز.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار