جراح الخنجر تنزف.. الكبيسي من الظل إلى القيادة بمباركة الحلبوسي
غرفة الأخبار | ..
يبدو أن رئيس حزب السيادة، السابق، خميس الخنجر، يعيش موسمًا سياسيًا غير مسبوق، أو ربما “الشتاء الطويل”، بعد أن خرج من صفوفه مصطفى عياش الكبيسي، المعروف في الأوساط السياسية بـ”الصندوق الأسود” للخنجر.
الكبيسي، الذي لطالما اعتُبر العقل المدبر خلف الستار، قرر أن يكسر حاجز الصمت، ويشق طريقه بعيدًا عن خيمة الخنجر، ليؤسس حزبًا جديدًا حمل اسم “الصرح الوطني”، في خطوة باركتها العديد من زعامات القوى السنية، وبدعم واضح من خصم الخنجر، رئيس حزب تقدم محمد الحلبوسي، وزعامات من الخط الأول أيضًا.
وأُعلن في بغداد عن تأسيس حزب “الصرح الوطني”، بحضور زعامات سياسية بارزة، من بينهم رئيس المشروع الوطني العراقي جمال الضاري، ورئيس حزب الحل جمال الكربولي، بالإضافة إلى رئيس حزب تقدم محمد الحلبوسي.
من هو مصطفى الكبيسي؟
الكبيسي من مواليد الفلوجة 1978، وهو من الشخصيات البارزة، التي جمعت بين العمل الأكاديمي، والنشاط السياسي، كما لعب دورًا رئيسيًا في الساحة الفكرية والسياسية، من خلال مشاركته في أكثر من 100 مؤتمر محلي ودولي مخصص لمناقشة قضايا العراق، جامعًا بين العمل الميداني والرؤية الفكرية.
وخلال عمله، ضمن “المشروع العربي” اتجه الكبيسي نحو تطوير التعليم والتنمية العلمية، ليبرز في هذا المجال من خلال ترؤسه مؤسسة الخنجر للتنمية العلمية، ما منحه تواصلًا أفضل، مع القيادات التربوية في البلاد.
ومع انخراطه في العمل السياسي، ضمن “المشروع العربي” حقق نتائج إيجابية، عبر مزاحة القوى الأخرى، وإيصال بعض المرشحين لمجلس النواب، وآخرين لمجالس المحافظات، ما مكنّه من تكوين علاقات سياسية كبيرة، استثمرها لاحقًا.
ماذا حصل؟
قيادي في حزب الصرح الوطني، أكد لـ”جريدة” أن “خروج الكبيسي من عباءة خميس الخنجر لم يكن مجرد خطوة عابرة، بل نتيجة تراكمات طويلة الأمد عكست عمق الخلل في إدارة الخنجر لملفاته السياسية”.
ويضيف القيادي الذي طلب حجب اسمه، أن “المأخذ الأساسي للدكتور الكبيسي على الخنجر، هو ارتهانه للماضي، وحساسيته المفرطة، إذ فشل في مواكبة التغيرات السريعة التي طرأت على المشهد العراقي، ما جعله يبدو بعيدًا عن متطلبات المرحلة الحالية، كما أن عجزه عن التكيف مع هذه الديناميكيات وضعه في مواجهة مباشرة مع انتقادات حلفائه وتحفظات شركائه”.
وعُرف عن الخنجر، تقلبه السياسي الدائم، الذي تحول إلى سمة أساسية في أدائه، من آلية دخوله إلى العملية السياسية بطريقة شابتها الكثير من الغموض، إلى تعامله المتردد مع قضايا حساسة، مثل شمول اسمه بإجراءات المساءلة والعدالة.
وبحسب القيادي في “الصرح الوطني” فإن “الكبيسي، الذي قام بجولات مكوكية ولقاءات مكثفة مع قادة القوى السياسية المختلفة، أدرك من خلال هذه الحوارات أن الخنجر فقد الكثير من رصيده السياسي، إذ لمس تحفظات واضحة من قادة الأحزاب، الذين أبدوا برودًا تجاه تحركات الخنجر، وهذا الانطباع المتكرر لدى القوى السياسية جعل الكبيسي يدرك أن البقاء تحت جناح الخنجر يعني الرضوخ لواقع مليء بالجمود والمراوحة”.
وأضاف، أن “نحو 10 سنوات، تكفي لفهم الخارطة، ومحاولة الإصلاح إن كانت هناك استجابة، وهذا لم يحصل”.
مسار استراتيجي
وخلال السنوات القليلة الماضية، برز الكبيسي كأحد الفاعلين السياسيين الأساسيين ضمن القوى السنية، حيث يلتقي بشكل متكرر قيادات الخط الأول، ممثلاً عن “حزب السيادة”، وهو ما منحه فهم لمتطلبات المرحلة الراهنة، وضرورة المواءمة بين الثوابت والمتغيرات، بما يحقق مصلحة الجمهور.
ومن خلال الزيارات المتكررة التي أجراها الكبيسي إلى مختلف الأطراف السياسية، تمكن من بناء شبكة علاقات قوية داخل المجتمع السياسي العراقي.
وهذه اللقاءات المتواصلة يبدو أنها أكسبته ثقة قادة القوى السياسية الذين وجدوا فيه شخصية قادرة على استيعاب تعقيدات المشهد السياسي، كما ساهمت في تعزيز حضوره كوسيط فعّال بين الأطراف المختلفة، مما جعله أكثر قدرة على قراءة الأمور، وتوجيه بوصلة الحوار نحو حلول واقعية.
ويبدو أن الكبيسي قد اختار توقيتا مثاليا لإطلاق مشروعه الجديد، مستفيداً من حالة الضعف التي يعاني منها رئيس حزب السيادة السابق خميس الخنجر، الذي غرق في مشاريع سياسية غامضة وأدخل نفسه في تحالفات غير واضحة المعالم، ما تركه في عزلة سياسية واضحة.
وتزامن هذا التوقيت مع قرب موعد الانتخابات النيابية المقررة العام المقبل، وهو ما أتاح للكبيسي مساحة واسعة لتقديم نفسه كبديل سياسي قوي يحمل رؤية مختلفة، تتماشى مع تطلعات القوى الشعبية والسياسية التي تبحث عن قيادة أكثر قوة وتفاعل.
تحالفات اليوم الأول
وليس سرًا أن علاقة رئيس حزب تقدم محمد الحلبوسي، بالخنجر، ليس على وفاق، مع يجعل دعم الكبيسي، خيارًا مناسبًا، لتعزيز جبهة الحلفاء من جهة، وضخ دماء جديدة في العملية السياسية، تتناسب مع التفاعلات المستمرة، وتقترب من بعضها في التفكير، لجهة تعدد المشتركات، مثل العمر، والخبرة، والبيئة، والتحديات المماثلة.
وخلال الإعلان عن تأسيس حزب “الصرح الوطني” كان رئيس حزب تقدم محمد الحلبوسي، حاضرًا ومباركًا، وبرغم الصورة، التي تشكلت لأول مرة، بأنه تحرك جديد من الحلبوسي، ضد خصمه الخنجر، إلا أن الأمر يبدو أكبر من ذلك، بدلاله حضور قادة آخرين، هم على خصومة مع الحلبوسي، مثل رئيس حزب الحل، جمال الكربولي.
ومع اقتراب موعد الانتخابات النيابية المقبلة، يُطرح حزب “الصرح الوطني” كعنصر جديد ومؤثر في الساحة السنية، خاصة وأنه استطاع أثناء فترة التأسيس جذب شريحة واسعة من القيادات والشخصيات السنية التي تبحث عن خطاب سياسي أكثر واقعية وتفاعلاً مع التحديات الراهنة.
وفي كلمته خلال المؤتمر التأسيسي لحزب “الصرح الوطني”، أشاد رئيس حزب تقدم، محمد الحلبوسي، بالدور الذي لعبه الشباب المؤسسون للحزب الجديد، واصفًا إياهم بـ”المثابرين والمكافحين”، مؤكدًا أن “هؤلاء الشباب يتمتعون برؤية واضحة وإصرار على إحداث تغيير إيجابي في المشهد السياسي”.
وقال الحلبوسي: إن “تأسيس حزب يحمل رؤية سياسية واضحة يعكس نضج هؤلاء الشباب وقدرتهم على الاستمرار في تقديم العمل السياسي ضمن إطار حزبي منظم، يسعى لخدمة الجمهور والمحافظات التي يمثلونها، بل وخدمة العراق بشكل عام”.
ويرى مراقبون أن الجمهور السني اليوم أكثر استعدادًا لاستقبال قيادة جديدة تحمل خطابًا عمليًا بعيدًا عن الشعارات، وهو ما قد يمنح الكبيسي مساحة أكبر لجذب القاعدة الجماهيرية.