لماذا الدولة الحيادية هي الحل؟
![أقلامهم](/files/2024/09/اقلامهم5-780x470-1.jpg)
بقلم د.باسل حسين|..
سأبدأ مقالتي باستعارة لمقولة هوسرل ان اي وعي هو وعي بشئ ما، ولذلك حينما نسك مصطلحا أو نتلقاه لابد ان يحتشد في عقلنا تصور معين، ولكي يكون هذا التصور منضبطا لابد من ضبط هذا الاصطلاح وتحرير دلالته وخصائصه، الذي يتشكل في جزء أساسي منه من خلال وعينا بالتمايز مابين المفردة في تكوينها او تركيبها اللغوي وبين السمات الدلالية او التصورية التي يكونها المصطلح في محيطه التداولي.
ومصطلح الدولة الحيادية لا يشذ عن هذه القاعدة فهذا المصطلح سك نتيجة الوعي بفداحة تبني نماذج من الحكم (لاسيما في الدول النامية)، تبدو الدولة فيها رهينة ايديولوجية او نظام شمولي او فئة او مذهب بما يحد من قيمة الدولة ويحيدها عن دورها الاساسي الذي خلقت من اجله ويجعل اجهزتها ونظام حكمها منحازا بالضرورة.
ووفقا لهذا الفهم استطيع ان أقول ان للدولة الحيادية خصائصها المائزة عن اغيارها من النماذج لعل من بينها:
1- انها محايدة في موقفها تجاه الاديان والمذاهب، بمعنى انها لا تفرض دينا او مذهبا معينا، بما يمنع من تدخل المجتمعات الدينية في القرار السياسي والاداري.
2- انها لن تمنح اي جماعة او أفرادا داخل الدولة بناءً على الانتماءات الاولية أية امتيازات خاصة، كما انها لن تفرض عليهم نمط حياتي معين، فالحرية هي اساس هذه الدولة، وليس لهذه الحرية من حدود الا ما تعارض مع المصلحة الفردية او الجماعية التي يحددها القانون.
3- يتبع ذلك ان انماط العلاقات بين الجماعات والافراد المكونة للدولة واجهزة الدولة تحددها الاطر التنظيمية والقانونية، بمعنى ان الافراد والجماعات يعاملون كارقام مجردة قربهم او بعدهم من اجهزة الدولة تحددها قاعدة الحقوق والواجبات.
4- تمنح المناصب والوظائف والامتيازات للافراد بناءً على الكفاءة، بمعنى ان عنصر الكفاءة هو العنصر الاهم من بين عناصر أخرى في الجهاز الاداري.
5- سيادة القانون قولا وفعلا على الجميع دون استثناء.
6- لن تسمح الدولة الحيادية بفرض هيمنة لجماعة على اخرى بالاكراه او محاولة احتكار القوة او النفوذ او السلطة، أو الاعتداء على بعضها البعض.
7- اهم ما يميز الدولة الحيادية هو المأسسة التي لا تتاثر كثيرا بتغير الحاكم، بل لها قدرة على كبح وقمع اي محاولة لجموح الحاكم ومحاولة استئثاره بالقوة والنفوذ والمال والسلطة.
8- لكي تكون الدولة حيادية لابد ان يوجد هناك فصل واضح ما بين السلطات لغرض منع تغول سلطة على حساب سلطة أخرى.
9- الدولة الحيادية تقنن بشكل كبير التدخل في الشؤون الاقتصادية، بما يسمح بانشاء قطاع اقتصادي فاعل اساسه القطاع الخاص.
10- الدولة الحيادية تمنع بالضرورة من قيام حكم شمولي كما انها لن تسمح للمؤسسة العسكرية بالتدخل في القرار السياسي.
11- تتبنى الدولة الحيادية الديمقراطية من حيث الشكل والمضمون اي ان الصندوق الانتخابي هو الفيصل في ضمان التداول السلمي للسلطة، ويمتد تأثير الديمقراطية إلى المضمون الذي يضمن حرية الرأي والمعتقد وحقوق الإنسان وغيرها من اشتراطات الديمقراطية الراشدة.
ولعل هذه العناصر وعناصر اخرىا هي عماد الدولة الحيادية، وهذه الدولة لن تستطيع الاحزاب الاسلامية من تحقيقها لانها بالضرورة تتعارض مع مبادئها، ولذلك فالعلمانية وحدها القادرة على تحقيق هذه الانموذج الرشيد من الدولة.
ما اريد ان اصل اليه هو أن المنتج السياسي العراقي الذي صنع بعد عام 2003 اضحى عاجزا عن السير إلى الأمام..
ومن البديهيات ان كل نظام سياسي يولد وتولد معه أدوات الحل لكن نظام 2005 (نسبة الى دستور 2005) لم يستطيع أن يتكيف مع التحديات والتهديدات التي تواجهه فهو لم يمتلك الأدوات المناسبة لا الدستور ولا الماسسة ولا أحزاب تملك أية رؤى وبالتالي التماهي مع هذا النموذج وازماته هو بمثابة انتحار للدولة العراقية ولمستقبل الاجيال القادمة… إذن ما الحل؟
اعتقد ان الجواب يكمن في الدولة الحيادية. وهي محاولة متواضعة مني لتقديم نموذج بديل عن النموذج الذي قاد العراق واثبت فشله الذريع في تحقيق منطق الدولة الرشيدة العادلة.