سيادة الدولار!
د. مجاشع التميمي |..
يخطأ من يظن أن ثمة علاقة بين العقوبات التي فرضتها الخزانة الامريكية، وموقف واشنطن من الحكومة العراقية، فالمعلوم ان هذه العقوبات التي طالت عددا من المصارف والشركات والشخصيات العراقية، صدرت بسبب مخالفات ارتكبتها هذه الجهات للضوابط التي تعتمدها الولايات المتحدة للحفاظ على اقتصادها وأمنها القومي.
وطالما تتعامل أية دولة من دول العالم وشركاتها وبنوكها بعملة الدولار، يتوجب عليها الالتزام بضوابط الخزانة الامريكية والبنك الفيدرالي وهذه الاجراءات تلزم بها الإدارة الامريكية كل من يتعامل بالدولار، دون ان تكون لها علاقة بأية عمليات تهريب أو مخالفة بالنسبة للعملات الأخرى.
وربما يجهل الكثير منا أن جميع الدول المصدرة للنفط، والتي تبيع نفطها بعملة الدولار، لا تتقاضى العملة النقدية بشكل مباشر، وانما يتم إيداع مبالغ المبيعات في البنك الفيدرالي الأمريكي، ومن خلاله يتم تسوية التعاملات التجارية، الا ان هذا الأمر لا ينطبق على العراق، الذي كان يحصل سنوياً على 12.5 مليار دولار نقداً من الخزانة الامريكية، قبل أن يتم خفضه لاحقا الى 10 مليارات دولار يتسلمها (كاش)، كجزء من عائدات بيع النفط، كون العراق يفتقر الى نظام مالي رصين ومازال يتبع نظام العملة النقدية في تعاملاته التجارية مع دول العالم.
وبحسب معلومات أدلى بها أحد المقربين من الحكومة، فأنها وخلال فترة التصعيد المتبادل بين الولايات المتحدة والفصائل المسلحة العراقية، حاولت اتخاذ قرار صعب بمغادرة بيع النفط بالدولار وابدالها بالعملات العالمية الأخرى، الا ان رئيس مجلس الوزراء واعتمادا على رأي خبراء ماليين، أيقن أن ترك منطقة الدولار سيكبد العراق خسائر تصل الى 30 بالمئة من عائداته النفطية، ما دفعه الى العدول عن القرار، نظراً لما تمثله العملة الامريكية من ثقل ومكانة بين الاقتصاد العالمي، منذ الحرب العالمية الثانية، وهو ما يجعل الاستغناء عن الدولار ضرباً من المغامرة، سواء للعراق أو بقية دول العالم التي تضطر لشراء الدولار من أجل تمويل تجارتها الخارجية.
ولعل هذه الحقائق، تدحض المزاعم بأن واشنطن تفرض تلك العقوبات من أجل ممارسة ضغوط على حكومة الرئيس محمد شياع السوداني، فالاجراءات التي اتخذتها الخزانة الامريكية مؤخراً لم تكن مفاجئة، أو قرارات آنية، وانما سبقتها العديد من التحذيرات على مدى السنوات الماضية، الا ان الحكومات العراقية المتعاقبة طلبت تأجيلها لأسباب عزتها الى وجود تحديات داخلية، والتي حالت دون قدرتها على تنفيذ الإصلاحات في هذا الجانب.
ورغم التحركات التي تجريها الحكومة العراقية اليوم، لثني واشنطن واقناعها بأهمية العدول عن هذه العقوبات، الا أن المثل القائل (ربّ ضارة نافعة) ربما يصح استحضاره في مثل هذا الموقف، الذي يمثل فرصة سانحة للعراق لبدء عملية الاصلاح المالي الذي تأخر كثيراً، وتشديد إجراءات محاربة الفساد وغسيل الأموال.