الحرب التي لا تريدها إيران

سعد البدري|..

في كتابه قواعد السطوة يعتبر روبرت غرين أن من “تكتيكات التظليل التي غالباً ما تنجح هي أن تظهر أنك تؤيد فكرة أو قضية تناقض ما ترغب به حقاً” ويُدرِج ذلك في سياق قاعدته الثالثة (إخفاء النوايا) والتي يوصي فيها بجعل الناس غير مدركين لدوافعك وفي مكان معتم لا يستطيعون من خلاله إدراك سبب أفعالك، وبالتالي حقيقة نواياك.

قد تمثل قاعدة روبرت غرين هذه مفتاحاً للوصول الى تفسير للتساؤل الذي برز في العقد الأخير، وازداد حدةً بعد أحداث السابع من أكتوبر في مستوطنات غلاف غزة وما تلاها من إبادة جماعية تمارس إلى يوم كتابة هذا المقال من قبل الجيش الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني في القطاع، ذلك التساؤل الذي وصل ذروته بعد الهجمات الصاروخية الإيرانية الأخيرة على أربيل وإدلب وبلوشستان وليتلخص بما يلي: اذا كان هدف الثورة الإيرانية الأسمى هو تحرير فلسطين، فلماذا نرى الصواريخ الإيرانية تنهمر في أصقاع المشرق العربي لكنها تمتنع تماماً عن السقوط في تل أبيب؟.

بحسب الرواية الرسمية الايرانية فإن الهجمات الأخيرة جاءت كرد فعلٍ على تفجيرات كرمان التي راح ضحيتها المئات، وأربيل هي مقر عمليات جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) المشرف على تلك التفجيرات، وبناءً على معطيات الهجوم الإيراني المتزامن سيكون كل من (جيش العدل) في بلوشستان و (داعش) في أدلب هما القائمان بالتنفيذ. وبعيداً عن صحة هذه الرواية من عدمها فإننا حين نعود بالأحداث سنجد ان هنالك هجمات شُنت في العمق الإيراني لا تقل خطورة عن هجوم كرمان، منها ما تبنته إسرائيل علناً كسرقة الأرشيف النووي الإيراني عام 2018، ومنها ما يمكن الاستدلال على وقوف إسرائيل خلفها كاغتيال العالم النووي محسن فخري زاده قرب طهران والهجوم على موقع تخصيب اليورانيوم في (نطنز) في شهر نيسان عام 2020. وكذلك استهداف مبنى لإنتاج أجهزة الطرد المركزي في مدينة كرج على مشارف العاصمة طهران عام 2021، أضافة لعشرات الغارات الإسرائيلية التي استهدفت العديد من قادة وضباط الحرس الثوري في سوريا.

وفي المقابل سنجد غياب شبه تام للعمليات الإيرانية المباشرة داخل العمق الإسرائيلي، الامر الذي لا يمكن تعليله بالقصور في إمكانيات جهاز الاطلاعات الإيرانية العملياتية داخل إسرائيل، فإيران تمتلك أذرعاً قريبة منها قادرة على تعويض هذا القصور، بالشكل الذي يمكن لها من خلاله ضرب اهداف في الداخل الاسرائيلي لا تقل تأثيراً عن المواقع التي استهدفت سابقاً في ايران، خاصة بعد أحداث السابع من أكتوبر بما وفرته من غطاء مناسب من خلال فتح جبهتي حزب الله والجولان والقصف المتبادل بينهما من جهة وبين الجيش الإسرائيلي من جهة أخرى وبديهيه التعرض لأهداف اكثر حيوية خلال القصف.

لكن إيران بدلاً من ذلك اختارت أن تكون مواجهات حلفائها مع اسرائيل ضمن حدود قواعد الاشتباك. رغم امتلاكهم لترسانة صاروخية قادرة على التأثير وإلحاق الضرر الكبير بالقدرة العسكرية الإسرائيلية المنهمكة في حربها مع حركة حماس في شوارع وازقة قطاع غزة. وفتحت في الوقت ذاته جبهة أكثر حدة بعيداً عند باب المندب تستهدف بحسب (الحوثيين) السفن التجارية الإسرائيلية.

ما الذي تريده إيران إذاً؟

في العاشر من أكتوبر من العام الماضي وفي كلمة ألقاها المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في ايران السيد علي الخامنائي أكد عدم تورط طهران في الهجوم الذي شنته حركة حماس، وذلك في رده على ما اسماها (إشاعات يطلقها أنصار إسرائيل)، وذهبت الإدارة الامريكية للتأكيد ايضاً على لسان وزير خارجيتها أن ايران لا تقف خلف ذلك الهجوم، لكن اللافت هو تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل اسبوعٍ من الآن وفي ظل احتدام المواجهة مع الحوثيين حين قال: ” إن إيران لا تريد الحرب معنا” وهو بذلك يمثل قناعة ادارته التي تربطها علاقات وثيقة مع اللوبي الإيراني المؤثر في واشنطن والمدعوم من قبل وزير الخارجية الأسبق (جواد ظريف).

يبدو ان ما تريده إيران حقاً هو اعترافٌ أمريكي إسرائيلي بحقها في أماكن نفوذها في العراق ولبنان وسوريا واليمن وبكونها القوة الأكبر في الشرق الأوسط وقبول تعاملهما معها على هذا الأساس بحكم الواقع، وكذلك عودة الولايات المتحدة إلى طاولة المفاوضات النووية دون شروط مسبقة والنظر جدياً للمطالب الايرانية، فهي القادرة على تحريك أذرعها في المنطقة والتأثير فيها، وهي القادرة أيضاً على كبح جماح تلك الاذرع، فإيران الايدلوجية سياسياً في علاقاتها مع جيرانها العرب هي نفسها إيران البراغماتية سياسياً في تعاملها مع الغرب.

إيران لا تريد حرباً مفتوحة في المنطقة لكنها ستستمر في تطبيق سياسة (حافة الهاوية)، فهي تدرك أن الحرب إذا ما وقعت ستكون شاملة، وانها ستجد دولاً مثل السعودية والأردن ومصر منغمسه في هذه الحرب.

إن أخطر ما يمكن أن يواجه قاعدة (إخفاء النوايا) هو ليس انكشافها بل هو الوصول الى مرحلة الدخول في الحرب للدفاع عن (النوايا الزائفة) قبل تحقيق كامل الأهداف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار