ماذا كشفت الحرب الإيرانية الإسرائيلية بالنسبة للعراق؟

بقلم/ فاضل اليونس – باحث في العلاقات الدولية والأمن الدولي
أفرزت التطورات الإقليمية الأخيرة دروسًا استراتيجية بالغة للقيادة العراقية، سياسيًا وأمنيًا، وهي أن العراق لن يكون بمنأى عن تداعيات الصراعات، وأنه لا يزال ساحة مفتوحة للعمليات الاستخباراتية والعسكرية.
وقد كشفت الوقائع عن افتقار العراق لمقومات الردع الفعّال، سواء على المستوى الهجومي الذي يتيح التصدي الاستباقي لأي اعتداء، أو على المستوى الدفاعي الذي يجعل المساس بسيادته مكلفًا وردعه حتميًا.
كما تكرّست قناعة متزايدة بأن إيران لن تُجازف بأمنها أو تُقوّض تفاهماتها الدولية من أجل حماية الميليشيات والفصائل في العراق، وأن موقفها إزاء ما جرى لحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن – رغم أهميتهم لطهران وحجم الخسائر التي تكبّدوها – يعكس بوضوح أن الفصائل العراقية لن تكون أوفر حظًا، وأنها ليست سوى أدوات في مشروع إيراني يهدف إلى تأمين النظام في طهران وتعزيز نفوذه، لا إلى الدفاع عن الحلفاء أو ضمان أمنهم.
ما الدروس المستفادة منها؟
🔘بالنظر إلى التحولات الإقليمية المتسارعة، يجد العراق نفسه أمام ضرورة استراتيجية لإعادة صياغة تموضعه الإقليمي والدولي، عبر بناء تحالفات متعددة الأبعاد، وعلى رأسها مع الولايات المتحدة، سواء في مجال مكافحة الإرهاب أو في تطوير التعاون بمجالات الأمن الطاقة والتجارة.
وفي موازاة ذلك، يتعيّن على بغداد الانفتاح على شراكات استراتيجية مع قوى إقليمية ودولية أخرى، بما يراعي خصوصية توازناتها الجيوسياسية ويُعزز من استقلالية القرار الوطني. ويتطلب هذان المساران تطوير القدرات الدفاعية والهجومية، لا سيما في مجالات الدفاع الجوي، القوة الجوية، لضمان جاهزية الردع ورفع كلفة أي اعتداء محتمل على العراق.
لكن، إذا ما تخلّت واشنطن أو أي من الحلفاء عن التزاماتهم، فإن على العراق أن يمتلك ركيزتين أساسيتين:
1. شبكة تحالفات استراتيجية متنوعة، تشمل الأبعاد الأمنية والاقتصادية والسياسية، تُوفّر للعراق عمقًا استراتيجيًا يحصنه من العزلة أو الارتهان.
2. قوة ردع وطنية متقدمة، تُتيح له الدفاع عن سيادته وتوجيه ضربات دقيقة لأي جهة تُهدد أمنه أو مصالحه العليا.
هل يمكن للسياسيين تحقيق الاستفادة من هذه الدروس؟
🔘في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها الشرق الأوسط، يُلاحظ أن القيادة العراقية تبنّت نهجًا أكثر حذرًا، مستفيدة ولو جزئيًا من دروس التجارب الإقليمية، لا سيما ما تعرّض له حزب الله، من خلال تجنّب التدخل في الساحة السورية بعد سقوط التظلم ، والامتناع موخراً عن الانخراط في المواجهة الإيرانية-الإسرائيلية.
إلا أن هذا السلوك رغم أهميته لم يعد كافيًا في ظل تصاعد الاستقطاب الإقليمي. فالعراق لم يعد قادرًا على البقاء في المنطقة الرمادية بين محورين متقابلين: أحدهما تقوده الولايات المتحدة، والآخر تمثّله إيران. وإن الاستمرار في سياسة التوازن دون خيار استراتيجي واضح قد يعرّض العراق لمخاطر جسيمة.
ومع ذلك، تظل التبعية الطائفية والانقسامات العرقية، إلى جانب الفساد السياسي والاقتصادي، عوائق بنيوية تحول دون تفاعل العراق بفعالية مع التحولات الإقليمية والدولية. وفي ظل هذا الواقع، يخشى أن يبقى العراق مجرّد “لاعب متفاعل” يتأثر ولا يُؤثر، بدل أن يكون فاعلًا ومبادرًا في رسم خرائط القوى داخل النظامين الإقليمي والدولي.