الديمقراطية: حصن منيع للحريات وصوت أمين للناس
بقلم نصر طاهر /
تتجسد الديمقراطية في وقتنا الحاضر ليس فقط كنظام حكم، بل كحارس أمين للحريات الفردية وكوسيلة فاعلة للتأكد من تمثيل إرادة الشعب بصدق. يشهد التاريخ على أن الاستخدام المغلوط للديمقراطية قد يشوه جوهرها، ومع ذلك، لا يجب اعتبار الديمقراطية نفسها بمثابة فكرة ضالة. بل العكس هو الصحيح؛ ينبغي التصدي لأولئك الذين يسيئون استخدامها لتحقيق مصالح حزبية وشخصية، مع الحرص على حفظ النظام الديمقراطي وتقويته.
لنستشهد بمثال على مجالس المحافظات في العراق والتي تواجه رفضا شعبيا ودعوات مقاطعة لانتخابها، وهو خيار ديمقراطي حتما لكنه رفض لمنظومة تعزز الديمقراطية من دون تقديم بديل عملي لها ما يمنح الفرصة الواسعة لسيادة نظام حكم يتفرد بالسلطة قد يطيح لاحقا لا بالديمقراطية حسب، بل حتى بممارستها.
رفض هذه المجالس سيؤدي إلى تمركز السلطة في يد أقلية سياسية ويحرم الناس من حقهم في انتخاب ممثليهم والتعبير عن آرائهم بحرية.
لنلق نظرة على الأنظمة الديمقراطية في دول متنوعة حول العالم، مع التركيز على السلطات المحلية داخل مدنها.
ألمانيا: تعتبر نموذجا للفيدرالية الديمقراطية، حيث تلعب الحكومات المحلية دورا مهما في إدارة الشؤون العامة. مدن مثل برلين وهامبورغ لديها حكوماتها المحلية التي تتمتع بصلاحيات واسعة في التعليم، النقل، والرعاية الصحية، مما يسمح للمواطنين بالمشاركة المباشرة في اتخاذ القرارات التي تؤثر على حياتهم اليومية.
الهند: كمثال على ديمقراطية نابضة بالحياة في آسيا، تظهر كيف يمكن للسلطات المحلية أن تكون فعالة في تمثيل مصالح المواطنين. مجالس البانشايات Panchayats ، وهي أشكال من الحكم المحلي في المناطق الريفية، تعتبر مثالا على الديمقراطية الشعبية، حيث تتيح للسكان المحليين فرصة للتأثير المباشر على التنمية المحلية وإدارة الموارد.
كندا: تعد مقاطعة كيبك في كندا مثالا على كيفية تأثير السلطات المحلية في بناء وممارسة الديمقراطية. تتمتع المدن والبلديات فيها بمستوى عال من الاستقلالية فيما يتعلق بإدارة الخدمات العامة، مثل التعليم والصحة، مما يسمح للمواطنين بالتأثير المباشر على السياسات التي تؤثر على حياتهم.
الولايات المتحدة الأميركية: مدينة نيويورك تعتبر مثالاً رائعا على كيفية تأثير السلطات المحلية في تعزيز الديمقراطية. من خلال نظام الحكم المحلي القوي، تمكنت المدينة من تنفيذ سياسات تعزز التعليم، الرعاية الصحية، والأمن العام، وبمشاركة فعالة من المواطنين.
السويد: تعرف بنظامها الديمقراطي القوي، حيث تلعب البلديات دورا حاسما في توفير الخدمات العامة. يتم انتخاب المجالس البلدية مباشرة من قبل السكان المحليين، مما يضمن مشاركتهم في القرارات التي تؤثر على مجتمعاتهم.
هذه الأمثلة توضح كيف تساهم السلطات المحلية في تقوية الديمقراطية وتعزيز دور المواطنين في الحكم.
تبرز هذه السلطات كمثال حي على أهمية الديمقراطية في حماية حقوق الإنسان وضمان حريته في الاختيار والتعبير. السلطات المحلية، بمشاركتها الوثيقة وتمثيلها القريب من المواطنين، تعد نموذجا يحتذى به في تفعيل الديمقراطية وجعلها أداة فاعلة لخدمة الناس.
من أعظم مزايا الديمقراطية أنها تمنح الناس القدرة على تغيير من يسيء استغلالها . هذا يعني أن الديمقراطية وعبر خاصية الانتخاب تضع في أيدي الشعب مفتاح تطورها ومنع أي انحراف في مسارها. إغفال هذه الفرصة ورمي هذا المفتاح يعد بمثابة السماح للطغاة والمفسدين باستغلال الديمقراطية كأداة للقهر والسيطرة.
ختاما تظل الديمقراطية، رغم كل تعقيداتها وتحدياتها، هي السبيل الأمثل لضمان حرية الأفراد وحقهم في التعبير واختيار من يمثلهم ويخدم مصالحهم، ومن واجبهم حمايتها والدفاع عنها ضد أحزاب توتاليتارية تحاول تشويه صورتها واستغلالها لتعزيز اجنداتها السلطوية غير شريفة.