هل ينجح صانع القرار العراقي في لعبة التوازن؟

د.حسام ممدوح
مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية يزداد الضغط الإقليمي والدولي المحيط بالعراق، فالتوجه الأمريكي نحو تحقيق حالة السلام – من وجهة النظر الأمريكي- في منطقة الشرق الأوسط وضع العراق أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما البقاء ضمن المحور الإيراني أو الإنخراط ضمن الخط الأمريكي ومشروعه للسلام.
لعبة الاختيار ليست بذات السهولة التي نتصورها، فصانع القرار العراقي يعيش حالة من التحدي الداخلي متمثلة بالقوى الداخلية القريبة من الخط الإيراني والمعارضة لمشروع السلام الأمريكي.
بالتالي على صانع القرار أن يضمن توازنًا دقيقًا بين التحديين الداخلي والخارجي، وهنا تكمن مهارة الأداء السياسي للخروج من هذه اللعبة بأقل الخسائر.
فمن المعروف أن العراق يتبنّي موقفاً مبدئياً من القضية الفلسطينية منطلقاً من ثوابت دينية وتاريخية، أطرها قانونياً عام 2022 بإصدار قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، والذي لا يمنع الحكومات العراقية المتعاقبة من إمكانية الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني فحسب وإنما من القبول بحل الدولتين ولو بشكل ضمني.
فضلاً عما سبق فإن علاقة العديد من الفصائل والقوى السياسية العراقية بإيران وخط محورها الممانع لأي خطة سلام مع دولة الكيان الصهيوني تشكل تحديّاً لصانع القرار العراقي، إذ تقيّد من تحركاته الخارجية باتجاه الإنخراط في أي مشروع للسلام في المنطقة يتعارض مع الرؤية الإيرانية في المنطقة.
هذه الكفّة، تقابلها في الميزان كفّة المحور الأمريكي الذي يضم الدول العربية مع تركيا، والتي تتجه لتبني خطة السلام الأمريكي بكل ما فيها من تفاصيل بما فيها التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني.
وهنا بطبيعة الحال سيكون صانع القرار تحت ضغط الإدارة الأمريكية وعقوباتها المحتملة اقتصادياً، والتي من الممكن أن تدخل العراق في دائرة ضغط جديدة قد لا يكون الخروج منها سهلاً.
في هذا الموقف سيكون على صانع القرار العراقي الحالي والقادم اللعب بين الخطين مع المحافظة عليهما ودون خسارة أحداهما لصالح الآخر، ففي الوقت الذي يستجيب فيه للضغط الأمريكي، حتى لو اكتفى بالسكوت عن بعض المبادرات للسلام في المنطقة ودون الانخراط في كافة تفاصيلها، سيكون عليه إقناع القوى الداخلية بضرورة التخفيف من حدّة المضي في الخط الإيراني بما يحمله من تنسيق أمني واقتصادي قد يوقع العراق في دائرة العقوبات المحتملة كما هو حاصل اليوم.
عليه، فصانع القرار اليوم يحتاج لفتح قنوات اتصال جديدة مع الولايات المتحدة الأمريكية، قد تكون عبر البوابة السعودية أو القطرية التي تعدها أمريكا ركائز مهمة في المنطقة لتحقيق رؤيتها في المنطقة منها نحاول أن نوصل رسائل توضح الموقف العراقي، كذلك لابد لنا من خلق شراكات استراتيجية في المنطقة مع الدول التي تقترب من رؤيتنا ومن الممكن أن تساعدنا في تجاوز المرحلة بأقل الخسائر كالشراكة من تركيا التي تراها الولايات المتحدة شريكاً استراتيجياً مهماً في المنطقة اليوم، بالمقابل لابد من فتح قنوات للحوار الداخلي بما يعزّز الجبهة الداخلية ويقلل حالة الاحتقان السياسي الحاصل حالياً، وهذا لن يكون إلاّ بمبادرة وطنية حقيقية تجمع الفرقاء على طاولة واحدة تناقش عليها واقع العراق والتحديات التي يواجهها وكيفية التعاون في تجاوز المرحلة التي تعيشها الدولة العراقية بمسار متوازن يحفظ لجميع الفرقاء مصالحهم ويحرص على مشاركة الجميع في صياغة المرحلة القادمة دون إقصاء.
إن حالة التحدي التي يعيشها صانع القرار مردّها عدم وجود برنامج واضح للدولة العراقية منذ العام 2003، إذ ليس هناك تعريف للدولة العراقية وأهدافها داخلياً وخارجياً، ما هو الدور الذي يرغب العراق بلعبه على المستوى الخارجي؟ ومن هم أعداءه المفترضين؟، كل تلك الأسئلة لازال العراق كدولة لا يمتلك إجابة واضحة عنها، بل إن ما موجود مجرد تصورات قد لا تكون مطابقة للواقع بالضرورة، بالتالي وجدنا أنفسنا أمام موقف لا نعلم ما هو القرار الصحيح للتعامل معه على الرغم من كونه يمس الدولة بكليّتها.
عليه، وكما يقال “أن تأتي متأخراً خيراً من ألا تأتي” فهنا بنا حاجة لإعادة صياغة الرؤية العراقية مجدداً بناءً على المستجدات من حولنا وبما يحفظ ثوابت العراق وبأقل الخسائر.