خاص| مسيرات وصواريخ تهز الأجواء.. العراق تحت سطوة الهجمات الغامضة

خاص|

عادت الضربات الجوية المجهولة لتفرض إيقاعها على المشهد الأمني في العراق، وسط صمت رسمي مطبق، وتضارب في الروايات، وتسريبات خجولة عن “جهات داخلية” تتحرك في الخفاء.

وأعلن جهاز أمن الإقليم، الخميس، عن سقوط طائرة مسيرة مفخخة في تمام الساعة 1:20 في مسافة قريبة من ناحية كوكس بمنطقة كرميان من دون تسجيل خسائر بشرية”، مضيفا أن “مفارز الآسايش توجهت على الفور إلى مكان الحادث وفتحت تحقيقا فيه”.

وفجر الثلاثاء، اهتزّت محافظتا صلاح الدين وكركوك على وقع هجمات متزامنة بطائرات مسيّرة وصواريخ طالت منشآت حيوية، من بينها مصفى بيجي، محطة الطاقة الحرارية، ومطار كركوك الدولي، حيث اندلع حريق قرب القسم العسكري، وسُجلت إصابة واحدة، فيما بقيت الجهة المنفذة طيّ المجهول.

 

الهجمات الأخيرة لم تكن الأولى من نوعها، بل امتدادًا لسلسلة استهدافات مشابهة طالت مواقع عسكرية خلال الأسابيع الماضية، أبرزها قاعدة التاجي شمال بغداد، التي أصيبت فيها أنظمة الدفاع والرادار، وتبعتها ضربة على قاعدة الإمام علي في ذي قار، حيث سُجلت إصابات دقيقة في مراكز الاتصالات، دون أن يخرج أي توضيح رسمي بشأن الفاعلين أو التحقيقات.

من داخل العراق

وقال الخبير في الشأن الأمني صفاء الأعسم في تصريح لـ “منصة جريدة”، إن “الهجمات الأخيرة، سواء في كركوك أو السليمانية، نُفذت من داخل العراق، وليس من الخارج، نظرًا للمديات القصيرة للصواريخ المستخدمة”، معتبرًا أن “هناك جهات داخلية لا تريد للعراق أن يكون مصدر أمان أو استقرار في المنطقة”.

وأشار الأعسم إلى أن “التحقيقات جارية، وهناك تركيز أمني على تتبّع الجهات المتورطة، لا سيما مع تزايد الضربات وتعدد مواقعها”، مضيفًا أن “هناك جهات لا تؤمن بمصلحة العراق، وترى في بقاء التحالف الدولي فرصة لضمان مصالحها، ولذلك فهي تُبقي على وتيرة التوتر”.

الغموض الذي يلف الهجمات يوازيه غضب متصاعد من غياب الشفافية الحكومية. فعلى الرغم من استهداف أنظمة دفاعية ومراكز رادار حساسة، لم تُعلن الحكومة أي نتائج تحقيقات منذ استهداف التاجي وذي قار، ما فتح الباب لتكهنات واتهامات غير مباشرة لأطراف تمتلك أذرعًا وتقنيات طائرات مسيرة داخل العراق، يُشتبه باستخدامها في هذه العمليات.

تحذيرات اقتصادية

ومن زاوية أخرى، تُنذر هذه الهجمات بخسائر اقتصادية مضاعفة. حيث حذّر الخبير الاقتصادي أحمد صدام، من تداعيات القصف على صورة العراق في مؤشرات الاقتصاد العالمية، وقال لـ”منصة جريدة” إن “تكرار مثل هذه الحوادث يؤدي إلى تراجع ترتيب العراق في مؤشرات مثل سهولة أداء الأعمال، وجاذبية الاستثمار، ومخاطر الدولة، ما يجعل مناخ الاستثمار هشًا وطاردًا”.

وأوضح صدام أن “شركات التأمين ترفع أقساطها على المشاريع داخل العراق، وترى فيه بيئة عالية المخاطر، وهذا يُضعف فرص التمويل الدولي، ويُجبر بعض المستثمرين على تجميد مشاريعهم أو حتى مغادرة البلاد”.

وحذّر من أن “تكرار هذه الهجمات قد يُفعل بنود (القوة القاهرة) في العقود الأجنبية، ما يسمح بإنهاء التزامات دون تبعات قانونية، ويُراكم الخسائر المباشرة وغير المباشرة على الاقتصاد الوطني”، مشددًا على أن “ضمان الأمن شرط أساسي لأي نهضة اقتصادية حقيقية”.

تداعيات الحرب الإيرانية – الإسرائيلية

في خلفية ما يحصل، يرى مراقبون أن الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل أطلقت موجات ارتدادية أمنية في الإقليم، وصلت تداعياتها إلى العمق العراقي، ومع وجود أطراف ترى في زعزعة الأمن وسيلة لإعادة تشكيل النفوذ، يبدو العراق أمام فصل جديد من اختبار تماسكه الداخلي، في ظل مساعٍ خفية لتقويض ما تحقق من استقرار خلال الأشهر الماضية.

ولا تبدو الضربات الأخيرة مجرد رسائل عشوائية قدر ما هي اختبارات جدية لقدرة الدولة على ضبط حدودها الجوية وبُناها العسكرية، فاختيار مواقع حساسة، بينها مراكز رادار وقواعد اتصال، يشير إلى أن الجهات المنفذة تمتلك خرائط دقيقة للبنية الدفاعية العراقية، وربما قدرة على التلاعب بها، سواء عبر الاختراق الإلكتروني أو التنسيق من الداخل.

من جهة أخرى، يشي تكرار الصمت الرسمي بأن هناك أزمة ثقة أو خشية من انكشاف وقائع محرجة، فكلما طال أمد “التحقيقات” دون نتائج، ازداد الشك بأن ثمة تواطؤًا، أو على الأقل تراخيًا في كشف من يقف وراء هذه العمليات، خاصة أن بعضها استهدف مواقع سبق أن وُصفت بأنها مؤمّنة بالكامل.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار