بقلم صالح الحمداني ـ الكُرد.. شاي بنكهة الجبل وسلطة بطعم الخيبة

بين مرارة السياسة ونبل الضيافة

بقلم: صالح الحمداني /..

في كردستان، لا يُقدّم الشاي كضيافة فحسب، بل كهوية. شاي داكن، كثيف، يُصب بوقار، كأن من يسكبه يعرف أنه يُقدّم أكثر من شراب، بل يُقدّم: ذاكرة شعب وكرم جبل.

لكن خلف هذا الدفء، تمتد سردية سياسية باردة: انقسام داخلي، تشتت بين أربيل والسليمانية، وفشل مزمن في إبرام اتفاق نهائي مع بغداد حول النفط والرواتب.

الحزب الديمقراطي الكردستاني (البارتي) يتعامل مع بغداد ببرود استراتيجي، لا يقبل التبعية، ويبحث عن شراكات خارجية مع الخليج وأوروبا وأميركا. الاتحاد الوطني (اليكتي) اختار تموضعاً مريحاً في حضن الإطار التنسيقي وطهران، مقابل مكاسب موضعية في بغداد.
لكن لا هذا ولا ذاك قدّم للشارع الكردي ما ينتظره منذ عقدين: استقرار اقتصادي، عدالة اجتماعية، حرية تعبير، و رواتب بلا تأخير.

رغم ذلك، يظل الإقليم عنواناً مشرقاً في جوانب أخرى. فقد احتضن مئات آلاف النازحين العراقيين، ومثلهم من اللاجئين السوريين، دون أن يغلق أبوابه أو يُشيّد جدراناً. وفي وقت تقاعست فيه سلطات المركز، كانت أربيل ودهوك وسليمانية ملاذاً آمناً للمسيحيين، وللإيزيديين، ولكل أقلية وجدت نفسها مطرودة من ديارها.

على الصعيد الدولي، نسجت كردستان شبكة علاقات واسعة، من واشنطن إلى باريس، ومن لندن إلى أبوظبي والرياض. الخليج يرى في أربيل بوابة استقرار محتملة، وباريس تعتبر الإقليم “قيمة مضافة” لمستقبل العراق، فيما تواصل واشنطن دعمها الأمني والسياسي له باعتباره حليفاً ثابتاً.

ورغم هذه المكانة، يبقى الأداء السياسي للحزبين أقل بكثير من “تضحيات” الشعب. فهما لم ينجحا – حتى الآن – في توحيد الموقف الكردي، ولا في الارتقاء بمستوى الحكم إلى ما يليق بحجم تضحيات البيشمركة وطموحات الأجيال الجديدة.

اليوم، لم يعد الشارع الكردي يسأل: من سيكون رئيس الجمهورية؟ أو من يمسك بوزارة الخارجية؟ بل يسأل: من سيمنحه حياة كريمة، وراتب مستقر، و حرية تعبير؟

لا شك إن طعم الشاي الكردي سيبقى كما هو… لكن هل ستبقى السياسة على مرارتها؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار