الخلاف بين حكومة بغداد وإقليم كردستان حول تصدير النفط وتوزيع الموازنة الاتحادية (مقال)

علي إبراهيم باخ، باحث و أكاديمي من محافظة دهوك، إقليم كردستان العراق

يعكس الخلاف بين حكومة بغداد وإقليم كردستان حول تصدير النفط وتوزيع الموازنة الاتحادية تحديات معقدة تتعلق بالسلطة والموارد والثقة بين الطرفين، متأثرًا بتدخلات إقليمية وخلافات داخلية. فيما يلي تحليل لأبعاد القضية من وجهتي النظر، مع الأخذ في الاعتبار التعقيدات الإضافية والحلول الممكنة:

وجهة نظر إقليم كوردستان:

  •  يعتمد الإقليم بشكل كبير على عائدات النفط لتمويل رواتب الموظفين (التي تشكل نحو 70% من موازنته) والمشاريع الخدمية. منع التصدير يُفاقم العجز المالي، مما يؤدي إلى تأخير الرواتب وتعطيل الخدمات، وهو ما يزيد الضغط الشعبي على حكومة الإقليم.
  • يستند الإقليم إلى المادة 121 من الدستور العراقي التي تمنحه حق إدارة الموارد النفطية في المناطق المُكتشفة حديثاً، مع التأكيد على أن حصته من الموازنة الاتحادية (عادةً 12.67% او 14% حسب اخر تعداد سكاني (2024)) حق دستوري غير مرتبط بشروط.
  • ايرى الإقليم أن حجب الحصص المالية من بغداد هو أداة ضغط سياسي لتقييد استقلاليته، خاصة بعد خلافات حول تطبيق الاتفاقيات السابقة (مثل اتفاقية 2014 التي ألزمت الإقليم بتصدير النفط عبر الشركة الوطنية). و

وجهة نظر الحكومة الاتحادية في بغداد:

  • تعتبر بغداد أن إدارة النفط عبر الشركة الوطنية (SOMO) ضمانة لسيادة العراق ووحدة موقفه في أوبك. كما تُشكك في شفافية عقود الإقليم مع الشركات الأجنبية، التي قد تُنهك موارد العراق عبر شروط مجحفة (مثل نسبة أرباح مرتفعة للشركات).
  • تطالب بغداد الإقليم بتسليم إيرادات النفط إلى الخزينة المركزية كشرط لصرف حصته المالية، وفقاً لاتفاقية 2014 التي لم تُنفذ بالكامل. كما تؤكد أن الإقليم يتلقى موارد إضافية عبر التهريب والضرائب المحلية.
  • تخشى بغداد أن يعزز تصدير النفط المستقل شرعيةَ كيان منفصل للإقليم، ويشجع أقاليم أخرى (مثل البصرة) على المطالبة بصلاحيات مماثلة، ما يُهدد وحدة العراق.

تعقيدات إضافية:

  • يلعب كل من تركيا وإيران دورًا في هذه القضية، حيث أن تركيا هي المستفيد الرئيسي من تصدير نفط الإقليم عبر أراضيها (قبل قرار محكمة التحكيم)، بينما تدعم إيران الحكومة المركزية (الاتحادية) في بغداد وتسعى لتقويض استقلالية الإقليم.
  • هناك خلافات بين الأحزاب الكردية الرئيسية (الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني) حول إدارة الموارد النفطية وتقاسم السلطة، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي ويؤثر على المفاوضات مع بغداد.
  • اقرار محكمة التحكيم الدولية في باريس لصالح العراق ضد تركيا بشأن تصدير نفط الإقليم أضاف بعدًا قانونيًا هامًا للخلاف، لكنه أدى إلى تعقيد المشكلة بتوقف التصدير عبر جيهان.
  • إن تغيير الحكومات في بغداد وأربيل يؤثر على مسار المفاوضات ويجعل من الصعب التوصل إلى اتفاقات طويلة الأمد.

التداعيات المستمرة للخلاف:

  • اقتصادياً: أدّت الخلافات المستمرة بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كوردستان حول تصدير النفط وتوزيع الإيرادات إلى تعطيل مشاريع البنية التحتية وتراكم الديون على حكومة الإقليم، إضافة إلى خسارة العراق لمليارات الدولارات سنوياً من عائدات التصدير. الأثر الأشد وضوحاً يتمثل في ارتفاع معدلات الفقر داخل إقليم كوردستان. فبحسب مسح IHSESIII، ارتفعت نسبة الفقر في الإقليم  في عام 2024، مع تسجيل محافظة دهوك أعلى معدل بلغ 14.8%، ما يعكس هشاشة الأوضاع المعيشية وتأثرها المباشر بالأزمات السياسية والمالية. هذا يُظهر بوضوح أن استمرار الخلافات ليس مجرد مسألة إدارية أو فنية، بل يُلقي بظلال ثقيلة على الواقع الاجتماعي والاقتصادي للسكان، خاصة الفئات ذات الدخل المحدود..
  • سياسياً: أسهم الخلاف بين بغداد وأربيل في تأجيج الانقسامات السياسية وتقويض الثقة المتبادلة، حيث باتت العلاقة بين الطرفين تتسم بعدم الاستقرار والتشكيك في النوايا. وقد استغلت بعض الأحزاب والتيارات السياسية هذا الخلاف لتعزيز الخطاب القومي أو الانفصالي، سواء في بغداد أو في الإقليم. في كوردستان، تُستخدم الأزمة لإبراز مظلومية الإقليم وتسويق مشروع الاستقلال، بينما في بغداد، تُطرح كأداة لتغذية الخطابات المركزية المشككة في شرعية التوزيع الحالي للموارد. هذا التوظيف السياسي يزيد من تعقيد المفاوضات ويجعل الوصول إلى حلول توافقية أكثر صعوبة، في ظل بيئة مشحونة بفقدان الثقة والاستقطاب السياسي..
  • اجتماعياً: أدى تأخر صرف الرواتب في إقليم كوردستان، الناتج عن النزاع المالي مع الحكومة الاتحادية، إلى معاناة متزايدة لدى شريحة واسعة من الموظفين والعائلات، حيث تعتمد الغالبية العظمى من الأسر على الرواتب كمصدر دخل رئيسي. هذا الواقع انعكس على القدرة الشرائية، والتعليم، والرعاية الصحية، وخلق حالة من الإحباط والاستياء الاجتماعي. تراكم الأزمات المالية وغياب حلول مستدامة أدّيا إلى تصاعد الاحتجاجات الشعبية، وازدياد حالات الهجرة الداخلية والخارجية، فضلاً عن اتساع الشعور بعدم الاستقرار وفقدان الثقة بالمؤسسات. كما ساهم ذلك في تفكك النسيج الاجتماعي، لا سيما في المناطق الفقيرة التي ارتفعت فيها معدلات الفقر والبطالة.

الحلول الممكنة:

الحلول الممكنة لتسوية الخلاف بين بغداد وإقليم كوردستان:

  1. تفعيل قانون النفط والغاز:
    بعد الكثير من التلكؤ و التدخلات السياسية من الطرفين، من الضروري إقرار وتفعيل قانون عادل للنفط والغاز يُحدد بشكل واضح صلاحيات كل من الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم في إدارة الموارد، مع ضمان شفافية العقود ونشر المعلومات المتعلقة بالإيرادات والنفقات بشكل دوري لتعزيز الثقة والمساءلة. إن هذا سيساعد في حماية حقوق المواطنين وتحسين ظروفهم المعيشية.
  2. تسوية مالية مرحلية:
    الاتفاق على تخصيص حصة عادلة وثابتة من الموازنة العامة للإقليم مقابل التزامه بتسليم جزء من إيرادات النفط إلى الخزينة الاتحادية، مع آلية رقابة محايدة أو دولية لضمان التنفيذ الكامل والمتوازن للاتفاق. هذا سيضمن عدم تأخر الرواتب ويخفف من المعاناة اليومية للعائلات والموظفين.
  3. إنشاء صندوق سيادي مشترك:
    تأسيس صندوق سيادي يُدار من قبل لجنة اتحادية – إقليمية مشتركة لإدارة عائدات النفط من كوردستان والمناطق المتنازع عليها، على أن يتم توزيع العائدات وفق نسب متفق عليها بشفافية تامة، مما يُقلل من فرص التلاعب أو الاستخدام السياسي للموارد، ويضمن استفادة جميع المواطنين من ثروات بلدهم.
  4. الوساطة الدولية البنّاءة:
    يمكن لأطراف دولية مثل الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة أن تلعب دور الوسيط لتقريب وجهات النظر، وطرح مبادرات عملية تُقنع الطرفين بالتخلي عن الشروط المُتعنتة، وخلق بيئة تفاوضية بنّاءة تركز على المصالح الوطنية المشتركة ومستقبل أفضل للأجيال القادمة.
  5. تعزيز الحوار السياسي والمجتمعي:
    لا بد من فتح قنوات حوار مستمر ومباشر بين بغداد وأربيل على أعلى المستويات السياسية، بمشاركة فاعلة من المجتمع المدني، من أجل تطوير حلول واقعية قابلة للتطبيق، بعيداً عن التصعيد الإعلامي أو الخطاب الشعبوي الذي يعمّق الأزمة ويزيد من معاناة الناس اليومية، مما يفتح الطريق نحو الاستقرار والتعايش السلمي.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار