من الركود الى الانتعاش كيف يمكن للعراق استغلال طفرة العقارات في اصلاح الحوكمة و الواقع السياسي
بقلم الإقتصادي محمد الراوي|..
في خضم الأزمات التي يعيشها العراق، من الفساد المتفشي إلى سوء الإدارة، يبدو المشهد العام محملاً بنظرة سلبية تطغى على كل حديث عن المستقبل. لكن في قلب هذه التحديات، تبرز فرص قد تكون بداية لنهضة حقيقية، إذا ما تم استغلالها بشكل صحيح. أحد هذه الفرص هو النمو الكبير الذي يشهده قطاع العقارات، والذي يمكن أن يكون المحرك الرئيسي لتغيير اقتصادي واجتماعي شامل.
قطاع العقارات ليس مجرد بناء وتشييد ، بل هو قطاع ضخم يستدعي مشاركة العديد من القطاعات الأخرى لدعمه، مثل الخدمات، البناء، التصنيع، وحتى التمويل. هذا النمو يمكن أن يكون بمثابة “الدينامو” الذي يعيد تحريك الاقتصاد العراقي الراكد. فعندما يستمر هذا القطاع في النمو ويُحدث أرباحاً متزايدة، ستتولد فرص لاستثمار هذه الأرباح في مجالات أخرى، مما يعزز تنويع الاقتصاد و يخلق فرص عمل جديدة.
كلما ازدهر القطاع الخاص وزاد عدد المنخرطين فيه، زاد وعي الجماهير بأهمية المشاركة الاقتصادية والسياسية. هذا الوعي سيدفع المواطنين إلى المشاركة الفاعلة في الانتخابات والبحث عن مرشحين يدعمون مصالحهم وتطلعاتهم، وهكذا، يمكن أن يكون الاقتصاد سبباً في إصلاح المجتمع و تحسين الحوكمة.
العراق غني بتنوعه الديني والفكري، مما يعزز قدرته على النهوض والمنافسة مع الدول المتقدمة. كما أنه يتمتع بموقع جغرافي استراتيجي وثروات طبيعية هائلة. ومع ذلك، كان الاعتماد المفرط على القطاع العام أحد أكبر أسباب الركود السياسي والاقتصادي. يبدو أننا الآن نتحرر من هذا الاعتماد، وهذه هي الطريقة التي تنهض بها الأمم. كل ما علينا هو دعم القطاعات التي تظهر عليها بوادر النهضة، مثل قطاع العقارات ، ثم تنتقل “العدوى” الإيجابية إلى باقي القطاعات. لكننا نحتاج الى اصلاحات ضرورية لدعم القطاع العقاري الذي اتوقع نموه في السنوات الثلاث القادمة بنسبة %30
لكي ينجح العراق في تحويل قطاع العقارات إلى محرك للنمو، يجب اتخاذ إجراءات جادة. منها إصلاح القوانين المتعلقة بتملك الأراضي والعقارات لتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية و تقليل البيروقراطية من خلال تسهيل إجراءات الحصول على التراخيص والموافقات للمشاريع العقارية و الاستثمار في التعليم والتدريب لخلق قوة عاملة ماهرة قادرة على دعم القطاع العقاري والقطاعات المرتبطة به. وأخيراً، تطوير البنية التحتية، مثل تحسين شبكات الطرق والكهرباء والمياه، لخدمة المشاريع العقارية الجديدة. ايضاً لدينا فرص متاحة في قطاع العقارات بجانب التحديات .
العراق يملك بيئة خصبة لنهضة اقتصادية من خلال قطاع العقارات. يشكل الشباب دون سن 15 حوالي 40%من سكان العراق، مما يعني وجود طلب متزايد على الوحدات السكنية في المستقبل. بالإضافة إلى ذلك، توقف الإعمار في العراق منذ منتصف الثمانينيات بسبب الحروب والديون، مما خلق فجوة سكنية كبيرة تحتاج إلى سدها.
يمكن للعراق أيضاً أن يجذب المستثمرين الأجانب من خلال تقديم حوافز ضريبية وضمانات قانونية. إنشاء مناطق اقتصادية خاصة تسمح بتملك الأجانب بنسبة 100% يمكن أن يكون خطوة مهمة في هذا الاتجاه. نمو قطاع العقارات سيؤدي إلى نمو قطاعات أخرى مثل السياحة (من خلال بناء الفنادق والمنتجعات) والتجارة(من خلال إنشاء المراكز التجارية).
العراق يملك كل المقومات لنهضة اقتصادية من خلال قطاع العقارات. كما قال آدم سميث، أبو الاقتصاد الحديث، فإن “اليد الخفية” للسوق تعمل على إصلاح البيئة الاقتصادية عندما تكون الظروف مناسبة. العراق يحتاج إلى إصلاحات تشريعية واقتصادية لخلق هذه الظروف، ومن ثم ستنتقل “العدوى” الإيجابية إلى باقي القطاعات، مما يؤدي إلى نهضة شاملة تعيد للعراق مكانته كواحد من أهم الاقتصادات في المنطقة