تصدعات تاريخية وتحديات سياسية.. تعقيدات تشكيل الحكومة الجديدة في كردستان
خاص|..
سلط الباحث والأكاديمي الكردي، علي إبراهيم باخ، اليوم الأحد، الضوء على تعقيدات تشكيل الحكومة الجديدة في إقليم كردستان.
وقال باخ لـ”جريدة“، إن “المرحلة المقبلة في إقليم كردستان ستشهد مفاوضات مكثفة لتشكيل الحكومة الجديدة، حيث تختلف استراتيجيات الأحزاب وفقًا لمواقفها واهتماماتها الخاصة. بشكل عام، تعتبر أحزاب السلطة، مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني (البارتي) والاتحاد الوطني الكردستاني (اليكتي)، أن البقاء في الحكومة مسألة حيوية، بل تمثل (مسألة حياة أو موت) بالنسبة لهما”.
الأسباب الرئيسية للتمسك بالسلطة
ويرجع باخ “تمسك” البارتي واليكتي بالسلطة إلى “ارتباطهما الوثيق بالمؤسسات الأمنية والعسكرية، حيث يسيطر الحزبان على أكثر من 200 ألف عنصر من قوات البيشمركة. الابتعاد عن الحكومة يعني فقدان النفوذ المباشر على هذه القوات، والتي يمثل ولاؤها جزءًا أساسيًا من استقرار الأحزاب، خصوصًا فيما يتعلق بالرواتب، إذ يمكن أن يتحول ولاء هذه القوات إلى الجهة القادرة على تأمين دخل ثابت لهم”.
وتابع: “بالإضافة إلى ذلك، يعتمد الحزبان على شبكة واسعة من المناصرين والموظفين في المؤسسات الحكومية والحزبية، الذين يرون في استمرار الحزبين في السلطة ضرورة لاستقرارهم الوظيفي. غالبًا ما يتقاضى هؤلاء الموظفون رواتبهم من الحزبين، مما يشكل ضغطًا شعبيًا عليهما للبقاء في الحكم وتجنب خسارة هذه القاعدة الجماهيرية الواسعة”.
تحديات مشاركة المعارضة
من جهة أخرى، اعتبر باخ مشاركة الأحزاب المعارضة في الحكومة “تحديًا كبيرًا” قد يعرّضها لـ “الانتحار السياسي”. مبيناً أن “دخول المعارضة إلى السلطة قد يؤدي إلى فقدانها للدعم الشعبي، كما حدث مع حركة التغيير (گۆڕان) التي تراجعت مقاعدها في برلمان الإقليم من 25 مقعدًا إلى مقعد واحد، وفقدت تمثيلها في الانتخابات الفيدرالية لعام 2021. تجربة الاتحاد الإسلامي (یەکگرتوو) كانت مشابهة، حيث تراجعت شعبيته بسبب دخوله في الحكومة”.
وأوضح، “لذلك، يبدو أن الأحزاب المعارضة ستتجنب المشاركة في الحكومة الحالية، وستفضل الاحتفاظ بدورها كمعارضة تحضيرًا للانتخابات الفيدرالية المقبلة في عام 2025. بنظري، سيأتي هذا القرار في ظل إدراكها للتأثير السلبي الذي قد تسببه المشاركة على شعبيتها، ورغبتها في الحفاظ على قاعدتها الجماهيرية واستغلال موقفها كمعارضة لكسب مكاسب انتخابية مستقبلية”.
السيناريو المتوقع لتشكيل الحكومة
بناءً على هذه المعطيات، فإن السيناريو الأقرب – بحسب باخ – هو “تحالف البارتي واليكتي مع الكوتا لتشكيل أغلبية برلمانية تصل إلى حوالي 70 مقعدًا. سيسمح هذا التحالف بتشكيل حكومة توافقية، لكن من المتوقع أن يتحمل البارتي التكاليف السياسية الأكبر، حيث قد يضطر إلى تقديم تنازلات، مثل التخلي عن بعض المناصب الوزارية، وربما رئاسة الإقليم لصالح الاتحاد الوطني. هناك احتمال أن يتولى قوباد طالباني هذا المنصب، مما يمنح الاتحاد الوطني موقعًا أقوى داخل الحكومة الجديدة. وقد تكون مرحلة تشكيل الحكومة مشابهة لما حصل في العراق الاتحادي بعد كل انتخابات منذ عام 2010، إذ قد يستغرق تشكيل الحكومة سنة أو أكثر بسبب الاختلاف العميق في الرؤى، وأيضًا نتيجة الشرخ السياسي والإداري المتراكم بين الحزبين الكبيرين، ومدى تأثر الاتحاد الوطني الكردستاني بالخطاب الشعبوي الذي تبناه”.
المتغيرات المؤثرة
وأشار باخ إلى أن “من المتغيرات التي ستؤثر على قرار الأحزاب بالمشاركة، الانتخابات النيابية المقررة في أكتوبر 2025، حيث تبنت معظم الأحزاب شعارات معارضة للبارتي وداعية للتخلص من هيمنته على الحكومة. يبرز في هذا السياق بافل طالباني، الذي انتقد سيطرة البارتي على الإقليم، وهاجم الحكومة بوصفها (حكومة مستبدة ومفروضة). التراجع عن هذه الشعارات يحتاج إلى وقت، وسيؤثر قرار المشاركة في الحكومة على فرص الأحزاب في الانتخابات المقبلة، خاصة إذا استمر السيد مسرور بارزاني في منصبه كرئيس للحكومة”.
واختتم باخ بالقول إنه ” لا يمكن تصور مشهد سهل لتشكيل الحكومة المقبلة في إقليم كردستان مع وجود تصدعات تاريخية وحالية تؤثر على شكل ونوعية العلاقة بين البارتي من جهة، وبقية الأحزاب من جهة أخرى؛ فالعلاقات المتوترة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والأحزاب الأخرى ليست وليدة اللحظة، بل هي نتيجة لتراكمات تاريخية وخلافات سياسية وإدارية مستمرة، مما يزيد من تعقيد عملية تشكيل الحكومة. يواجه الإقليم تحديات اقتصادية وأمنية تتطلب تشكيل حكومة قوية وقادرة على التعامل مع هذه القضايا الملحة، مما يزيد من الضغوط على الأحزاب للتوصل إلى اتفاق، ولا يمكن إغفال تأثير القوى الإقليمية والدولية على المشهد السياسي في كردستان، حيث قد تسعى بعض الدول إلى التأثير على تشكيل الحكومة بما يخدم مصالحها، مما يزيد من تعقيد المشهد؛ بناءً على ما سبق، فإن تشكيل الحكومة المقبلة في إقليم كردستان سيكون عملية معقدة قد تستغرق وقتًا طويلاً، وتتطلب جهودًا كبيرة من جميع الأطراف لتجاوز الخلافات وتحقيق الاستقرار السياسي في الإقليم”.