حزب الله واسرائيل.. مقدمات المعركة المنتظرة

بقلم سعد البدري |..

في الوقت الذي تجوب فيه حاملات الطائرات الامريكية والبوارج الحربية الفرنسية والبريطانية البحر الأحمر والبحر المتوسط، وتنطلق الصواريخ والمسيرات يومياً من كل حدب وصوب لتصيب أهدافها في غزة وإسرائيل والحديدة وجبال صنعاء والبقاع اللبناني مروراً بإغراق السفن قرب مضيق باب المندب، لا يزال الكثير يتساءلون عما إذا كانت هناك حربٌ قادمة!!

مرجع هذا التساؤل بلا شك هو شكل هذه الحرب الذي لا يشبه الصورة النمطية التي اعتدناها، والجواب الأكثر واقعية له هو ان الحرب قد بدأت منذ زمنٍ بالفعل. فهي حربٌ تشتبك فيها الأطراف بشكل مباشر وغير مباشر، وتخاض فيها المعارك بالأصالة وبالوكالة، ويمتنع رُعاتها من إظهار توغلهم فيها بقدر تورطهم بأحداثها وتأثيرهم بمساراتها في مشهد يعكس حجم تعقيداتها وكثرة محدداتها وتناقضاتها، فالحرب القائمة حالياً هي مجموعةٌ من المعارك تمثلُ كل معركةٍ منها حرباً قائمةً بذاتِها، لأن ما سعى إليه محور المقاومة في (وحدة الساحات) قابله المحور الإسرائيلي الأمريكي ب (فصل الجبهات).

بناء على ذلك فإن السؤال الآن هو متى ستبدأ معركة لبنان؟

يمثل حزب الله النموذج الابرز والأنجح والأكثر كفاءةً وتنظيماً وتكاملاً بالنسبة لإيران من بين كل أذرعها في المنطقة، حتى وصل الى مرحلة الاكتفاء الذاتي وشريكاً لها في تكوين وتدريب حركات جديدة ضمن محور المقاومة وامدادها باحتياجاتها، وفي المقابل تمثل إسرائيل مرتكزاً وبعداً استراتيجياً ذو طبيعة خاصة ومتميزة بالنسبة للولايات المتحدة بدءاً بمراكز صنع القرار مروراً باللوبيات الصناعية وليس انتهاءً بالعقيدة الدينية ليهود العالم وأعضاء الكنيسة الانجيلية الذين ينظرون الى إسرائيل بذات القدسية التي ينظر فيها المسلمون الى فلسطين وبيت المقدس. لذلك يجب النظر الى مواقف طهران وواشنطن بذات القدر الذي يُنظر فيه ما يصدر من الحزب وتل أبيب.

فبعيداً عن الخارطة اللبنانية حيث المعركة المرتقبة، يدور صراعٌ لا يقل أهميةً في واشنطن بين الديمقراطيين واللوبي الإيراني المتمثل بالمجلس الوطني الإيراني الأمريكي (NIAC) من جهة، وهم الذين يرون أن هنالك فرصةٌ لتحقيق الأهداف الإسرائيلية في الساحة اللبنانية دون توسيع الصراع مع حزب الله عبر التفاوض مع إيران والحزب، وبين الجمهوريين واللوبي الإسرائيلي في واشنطن الذين يرون ان الحرب على الحزب هي وحدها الكفيلة بتحقيق تلك الأهداف من جهة أخرى.

ان الأساس في هذا الصراع بين الديمقراطيين والجمهوريين هو نظرةُ كلٍ منهما للأهداف الإسرائيلية، فيرى الديمقراطيون أن على إسرائيل أن تكتفي بتطبيق القرار 1701 الذي ينص على عودة مقاتلي حزب الله الى ما خلف نهر الليطاني، وعلى ذلك أرسلت الإدارة الامريكية مبعوثها آموس هوكشتاين الى لبنان وإسرائيل لكنه عاد بخفَي حُنين.

وفي المقابل يرى الجمهوريون والإسرائيليون ان هنالك هدفاً آخر ينبغي تحقيقه يتمثل في استعادة (الردع الاستراتيجي) الذي فقدته مع حزب الله.

وبالعودة الى جغرافية الصراع والمعنيان بها سنجد أن حزب الله واسرائيل باتا أقرب الى الحرب منهما الى التسوية، وان اندلاع هذه الحرب هي مسألة أيام أو أسابيع، لأن عودة الحزب الى ما خلف الليطاني يمثل قراراً انتحارياً للحزب سيهدم كل نظريات المقاومة والصمود التي يبني عليها وجوده واتساع نفوذه، وعلى هذا فإن السبيل الوحيد لإعادته خلف الليطاني دون حرب هو تسوية إيرانية – أمريكية يتم بمقتضاها إيقاف هذه الحرب على كل الجبهات سواءُ في سوريا أو العراق أو اليمن، وضمان بقاء نفوذ الحزب سياسياً وأمنياً في لبنان وكذلك ضمان نفوذ حلفاء إيران في بلدانهم.

أما إسرائيلياً، فإن رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو ومن خلفه اليمين المتشدد يدرك ان احداث السابع من أكتوبر منحته فرصة تاريخية قد لا تتكرر لتغيير شكل الخارطة الإسرائيلية، ويدرك أيضاً ان الإدارة الديمقراطية في البيت الأبيض ستكون مرغمة على دعم جيشه بشكل كامل حال خوضه الحرب مع حزب الله، وان تحقيق الانتصار على الحزب هو السبيل لتجنيبه المحاكمة والسجن. ولن يقف أمام توجهه هذا سوى انشقاق آخر في حكومته على غرار انسحاب الوزير بيني جانتس سيؤدي هذه المرة الى انهيارها، وهو ما قد تدعمه الإدارة الامريكية برئاسة جو بايدن الممتعضة منه أصلاً بشكل كبير.

تدرك أطراف الصراع جميعاً أن هذه المعركة حتمية الحدوث، وان الاختلاف فقط هو بتاريخ حدوثها، حيث يسعى كل طرف الى تهيئة أفضل الظروف والاستعدادات للانتصار بها وعدم ترك أي هامشٍ للخطأ، لان نتائجها ستمثل تغييراً جذرياً للوضع القائم في الشرق الأوسط، وسيكون على الخاسر تحمل هزات ارتدادية عنيفة ستعصف بكراسي وعروش. ولذلك نرى تسابقاً محموماً في لغة التهديد والوعيد من كل طرف تجاه الطرف الآخر، تهديد يريد حزب الله به ثني الحكومة الإسرائيلية المتشددة عن تنفيذ هجومها من خلال اظهار قدرة الحزب على الحاق الضرر البالغ بالبنى التحتية الإسرائيلية، وتريد الحكومة الإسرائيلية به التزام الحزب بتنفيذ القرار 1701 من خلال وساطة دولية امريكية كانت أو فرنسية.

لغة تهديد ووعيد تحمل في طياتها عدم التيقن من القدرة على تحقيق النصر كما يذكر سون تزو في كتابه فن الحرب.

وللحديث بقية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار