العراق وترامب الثاني… أي مستقبل؟
بقلم إياد الدليمي|..
يبدو أنه بات في حُكم المُؤكَّد أننا (في الشرق الأوسط تحديداً) سنكون مع أربع سنوات حافلة بمتغيّرات وتغييرات كثيرة، بدأت مع بداية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر (2023)، وسوف تستمرّ مع مقام الرئيس الأميركي المُنتخَب دونالد ترامب في البيت الأبيض، بعد فوز تاريخي على منافسته الديمقراطية كامالا هاريس.
ويبدو أيضاً أننا لم يعد بإمكاننا أن نتحدّث عن ملفّ دون آخر، أو دولة دون سواها، فالمنطقة برمّتها باتت في “سلَّة واحدة”، أو هكذا يراد لها أن تكون في مخطّطات واشنطن وتلّ أبيب، وربّما باريس ولندن معهما. غير أن للعراق مع ترامب حكاية تستحقّ أن تُفرَد لها مساحةٌ للتفكير، ومحاولةُ جسّ نبضات المقبل، خاصّة أن ترامب هو الرئيس الأميركي الوحيد (منذ 2003 والغزو الأميركي لهذا البلد)، الذي كسر قواعد التعامل مع حكومات ما بعد الغزو، باستهداف قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، رفقة نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق أبو مهدي المهندس، قرب مطار بغداد في مطلع عام 2020، وكسر حدّةَ السيطرة والتحكّم الإيرانيين، ليس في العراق وحده، وإنّما في ساحات النفوذ الإيراني المختلفة.
من هنا، يُتوقَّع أن يكون للعراق في أجندة ترامب، في ولايته الثانية، وضع خاصّ، خصوصية تتأتّى أيضاً من موقفه حيال الغزو الأميركي لهذا البلد، يرى فيه الرئيس الجديد أنه كان كارثياً، وأنه لم يكن على بلاده أن تورّط نفسها في احتلال العراق وتغيير نظامه، خاصّة أن ترامب يرى أن هذا الاحتلال أهدى العراق في طبق من ذهب لإيران. ولإيران قصّة أخرى تكتمل بها صورة ترامب وتصوّراته للعراق، وربّما للمنطقة بشكل عام.
تأتي اختيارات ترامب الشخصيات التي ستشكّل فريق عمله لترسم صورةً أشمل لما يمكن أن تكون عليه سياسته خلال السنوات الأربع المقبلة، فهي شخصياتٌ عُرِفت بدعمها المطلق إسرائيل، وعدائها المُعلَن إيران، وما بينهما سيكون للعراق حيّزٌ من هذا الصراع المتفجّر أصلاً، والذي يمكن أن يستمرّ بوتيرة أكثر شدّةً في المرحلة المقبلة.
ليس سرّاً أن العراق كان (منذ الغزو الأميركي عام 2003)، ساحةً خلفيةً لإيران، تُصفّي فيه (ومن خلاله) مشكلاتها مع أميركا، بعدما قدّمت لها الدعم كلّه في غزوها هذا البلد، إذ تفيد وثائق في “ويكليكس” بأن سليماني، الذي اغتاله ترامب، كان قد التقى الرئيس العراقي الأسبق جلال الطالباني في دمشق عام 2007، وأبلغه بأنه على استعداد لدعم جهود واشنطن للقضاء على المقاومة العراقية، وأكّد له أن لديه آلاف العناصر المسلّحة التي يمكن الاستعانة بها لهذه المهمّة، وأن هؤلاء العناصر لن يخوضوا صراعاً مع الوجود العسكري الأميركي في العراق.
شخصيات عديدة رشّحها ترامب لتولّي مناصب في إدارته الجديدة تعرف العراق جيداً، بعضها خدم في العراق، وبعضها الآخر كان يشرف على ملفّات مهمّة في العقدين الماضيين، وما يجمع بينهم أنهم يعرفون حجم النفوذ الإيراني في العراق، ويدركون جيّداً أن استئصال شأفته لن يكون سهلاً، ولكنّهم يعرفون أيضاً أن التغييرات الجارية في المنطقة منذ 7 أكتوبر (2023)، يمكن أن تساعد كثيراً في تحقيق مهمّة بدت لهم في لحظة ما عسيرةً.
ترامب مطلوب للقضاء العراقي وفقا لمذكّرة اعتقال صدرت في بغداد عام 2021، بتهمة اغتيال نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، مذكّرة قضائية لم تمنع رئيس الحكومة العراقية محمّد شيّاع السوداني من أن يكون أوّل المهنئين بفوز ترامب بالرئاسة، بل زاد مكتب السوداني العيار عندما أعلن أنه هاتف ترامب وهنّأه بالفوز، وأعرب عن تطلّعه للعمل معاً من أجل تحقيق تطلّعات الشعبَين، وهو الاتصال الهاتفي الذي صدرت تفاصيله من بغداد فقط، من دون أن يرد ذكره في بيانات مكتب الرئيس المُنتخَب، الذي كان حريصاً على ذكر كلّ من اتصل أو أبرق مهنّئاً.
تشنّ فصائل عراقية مسلّحة (من وقت إلى آخر) هجمات بطائرات مُسيَّرة على الأراضي الفلسطينية المحتلّة، هجمات ترى فيها واشنطن أنها قد تؤدّي إلى ردّ إسرائيلي عنيف، رد تدخّلت أميركا أكثر من مرّة من أجل تأجيله، فلدى واشنطن ما هو أكثر أهميةً، وهو الحفاظ على وجودها في العراق، وحماية قواعدها من أيّ هجمات، فضلاً عن الاستثمارات الأميركية، التي يبدو أنها تضاعفت خلال السنوات الخمس الماضية.
من هنا، يمكن القول إن أمام الحكومة العراقية (الحالية أو التي ستليها قريباً)، مهمّة انتحارية، فهي إمّا أن تقف في وجه تلك الفصائل وتنزع سلاحها بالقوة وتردع الجميع وتخضعهم للقانون وفق آليات معيّنة، أو تتحوّل حكومةً تندّد وتشجب وتستنكر الضربات التي قد تطاول العديد من مواقع الفصائل المسلّحة في العراق، والتي قد تنفّذها أميركا أيضاً، وليس إسرائيل فقط.
ترامب قادم بقوة، وهو يريد أن يكون شريكاً لنتنياهو في رسم محدّدات “الشرق الأوسط الجديد” وملامحه، بالتالي فإن الحديث عن تفاصيل السنوات الأربع المقبلة سيخضع لتفاهمات ترامب وبنيامين نتنياهو أولاً. وعليه، يجب أن تتحلّى الاستعدادات لحقبة ترامب الثانية بتفاهماتٍ كثيرة مع توقّع مفاجآت كثيرة، والعراق سيكون في مقدمة أولويات التفاهمات بين ترامب ونتنياهو، فهو المقصود الأبرز في خلطة ما بعد “طوفان الأقصى”، وهو المؤشّر الذي على أساسه قد يُختبَر نجاح “الشرق الأوسط الجديد”، الذي يُراد له أن يحلّ في محلّ شرق أوسط “سايكس بيكو”، الذي ربّما يكون مفعوله قد انتهى وباتت المنطقة بحاجة إلى اتفاقية “نتنياهو ترامب” لتحديد مسارات جغرافيا المنطقة، ولرسم سياسات العالم قرناً مقبلاً.
نقلاً عن “العربي الجديد”