الصراع على السلطة: خطوة نحو الطغيان بقناع ديمقراطي

بقلم نصر طاهر

في عالم تتشابك فيه أحداث السياسة، يُعتبر الصراع على السلطة أمراً لا مفر منه ، ويبرز كمحور رئيسي يؤثر على مسارات الدول ومصائر الشعوب. هذا الصراع، الذي يُفترض أن يكون في إطار البناء والتنافس الإيجابي، يتحول أحيانًا إلى معركة شرسة تسخر فيها موارد الدولة لأغراض حزبية وسلطوية، مما يقضي على أي أمل في تحقيق التنمية الحقيقية ويدفع بالبلد إلى مسارات التسلط والاستبداد.

الخطأ الأول والأكثر وضوحًا في هذا الصراع هو تحويل الشركاء إلى خصوم. في السياسة، من الطبيعي وجود اختلاف في الرؤى والأفكار، لكن عندما يتم التعامل مع هذه الاختلافات على أنها تهديدات للسلطة، يبدأ الانحدار نحو الطغيان الذي يضع الفخاخ للشراكة في الحكم لافتراس التنوع والتعددية.

ثانياً، في بيئة تتسم بالتنافس الشديد على السلطة، يصبح من الصعب العمل سوياً من أجل الصالح العام، مما يؤدي إلى تفاقم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية خصوصا إذا تم استخدام موارد الدولة في الصراعات الحزبية والشخصية، وهي موارد لخدمة المواطنين، وليست لتعزيز قبضة الأحزاب الحاكمة أو لتمويل حملاتها السياسية. هذا النوع من التسلط يفتح الباب للفساد ويضعف البنية التحتية للدولة، مما يجعلها أكثر عرضة للانهيار.

ثالثا، الخطر الأكبر من تحول الشراكة إلى صراع أعداء هو تحويل البلد إلى بؤرة للطغيان تحت ستار الديمقراطية. الديمقراطية ليست مجرد إجراء انتخابات وتوزيع كراس ومناصب ؛ إنها عملية تشمل احترام حقوق الإنسان، الشفافية، المحاسبة، وتداول سلمي للسلطة. عندما يتم استغلال الديمقراطية لخدمة أغراض سلطوية، فإنها تصبح مجرد واجهة، لبلد جوهر نظامه استبدادي لكنه يرتديها كقناع لإيهام الشعب بتبنيها.

ومن أهم الأمثلة التي ينبغي التذكير بها هي :الحرب الأهلية بروسيا (1917-1923): بعد الثورة الروسية، تحولت الجماعات التي تحالفت لإسقاط النظام القيصري إلى خصوم. البلاشفة بقيادة لينين واجهوا معارضيهم من الجماعات الاشتراكية والليبرالية الأخرى الذين كانوا شركاء في الثورة، لينتهي الحال بالبلاد إلى نظام يقوده استبداديون أولهم ستالين وليس آخرهم بوتين.

فنزويلا تحت حكم هوغو تشافيز وخليفته نيكولاس مادورو: مثال على كيفية تحول السياسات الشعبوية والصراع على السلطة إلى أزمة اقتصادية وسياسية معمقة، كذلك زيمبابوي تحت حكم روبرت موغابي، وتركيا تحت حكم رجب طيب أردوغان ، ثم تجربة الربيع العربي! في عدة دول ، شهدت تحول الشركاء الذين اتحدوا ضد الأنظمة الاستبدادية إلى خصوم بعد الإطاحة بتلك الأنظمة، مثل ما حدث في مصر وليبيا.

لبنان وحربه الأهلية وكيف تحولت الجماعات السياسية والطائفية التي شاركت في حكمه إلى أعداء متحاربين، فدخلت البلاد صراعا طويلا ومدمرا لم تخرج من اتونه حتى اليوم.

العراق بعد عام 2003 يعد مثالاً بارزًا على تحول الشركاء إلى خصوم في سياق الصراع على السلطة. بعد سقوط نظام صدام حسين الاستبدادي، دخل العراق فراغا سياسيا قاد إلى صراع بين القوى المختلفة لملئه، لكنه جاء على حساب التنوع الطائفي والعرقي الذي أصبح مصدرًا للتوتر بين الجماعات المختلفة التي سعت لضمان مكانتها وسلطتها في النظام الجديد وهذا السعي جعلها تتسارع في الاعتماد على التدخلات الدولية والإقليمية وتحديدا ” الأميركي والإيراني “، ما أثر بشكل كبير على البلاد واستقرارها، بل زاد من تعقيد الوضع الذي قاد بالضرورة إلى تصاعد العنف وظهور جماعات إرهابية مثل تنظيم القاعدة ولاحقًا داعش، والذي احتاج لمواجهة عسكرية، بررت بدورها لكثير من أحزاب السلطة، الاعتماد على أذرع مسلحة، أو دخول فصائل مسلحة لعش الأحزاب وممارسة العمل السياسي، ومن ثم التسلل إلى السلطة، ثم الإمساك بها بيد والتلويح بالسلاح للأطراف المعارضة لها في اليد الأخرى، أليس هذا هو ما يحصل اليوم بالضبط؟ راجعوا الوقائع والأحداث ستجدون الإجابة بنعم واضحة كاسم العراق ووضوحه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار