” مبعوث ترامب وفلسفته تجاه الشرق الأوسط “

بقلم/الكاتب والباحث السياسي مصطفى الخفاجي
أثارت تصريحات السيد توماس باراك مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موجة ردود كثيرة حملت عدد من التفسيرات والتحليلات المتعددة التي جاءت بناء على تصريحاته حول ما يجري حاليا في العراق وتخمينه للمرحلة القادمة والدور الأمريكي فيها حسب رؤية الإدارة الأمريكية المتمثلة بالرئيس ترامب ٠
فقد قال بأن تجربة الحكم اللامركزي قد فشلت فشلا ذريعا وبأن الولايات المتحدة الأمريكية لن تتدخل في شؤون الشرق الأوسط وستترك مسألة الحكم لأبناء الشرق الأوسط ليقرروا مستقبلهم ومصيرهم لوحدهم دون تدخل أمريكي في ذلك معتبرا بأن ذلك شأنا خاصا بهم فقط حسب قوله كما ذكر ٠
اضاف باراك أيضا بأن واشنطن خرجت خالية الوفاض من العراق دون أن تحقق شيئا من أهدافها على أرض الواقع وقد خسرت أموالا طائلة طيلة عقدين من الزمن وتلقت خسائر بشرية فادحة من جنودها في العراق بعد إسقاط نظام صدام حسين سابقا عام ٢٠٠٣ ، يذكر بأن الولايات المتحدة الأمريكية بقيت متواجدة عسكريا في العراق لمدة ثمان سنوات لتنسحب بعد ذلك في عام ٢٠١١ ثم تقرر العودة إليه مرة ثانية في عام ٢٠١٤ بعد سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على عدة محافظات عراقية تحت عنوان التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب في العراق وسوريا الذي قادته بنفسها حيث لا تزال إلى الآن باقية في قواعد عسكرية محددة وحسب طلب ورغبة الحكومة العراقية ٠
لذلك فأنا أعتقد بأن هذه التصريحات تؤكد فشل أمريكي كبير في منطقة الشرق الأوسط لاسيما العراق الذي غزته لمحاولة تطبيق فكرة ” الفدرلة وألأقلمة ” تحت يافطة الشرق الأوسط الجديد الذي روجت له وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية في إدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش ” كوندليزا رايس ” ٠
فعلى ما يبدو أن تجربة العراق تركت أثرا قاسيا في ذاكرة صانع القرار الأمريكي مما حدى بالسيد باراك إلى الإعتراف بهذه الحقيقة الدامغة دون مواربة لمحاولة عدم تكرارها مرة ثانية في دولة أخرى كون الخسائر اكبر من المكاسب حسب ما كان مؤملا ٠
لكن تصريحات باراك تبدو متناقضة نوعا ما فهو يقول بأننا سوف لن نتدخل في شؤون دول الشرق الأوسط ولكنهم شنوا ضربات جوية على المواقع النووية الإيرانية بالتزامن مع الضربات الإسرائيلية التي شنت على إيران في حرب ال ١٢ يوم ، فربما هو يقصد عدم خوض تجربة التدخل العسكري عبر قوات برية على الأرض وليس تنفيذ ضربات جوية وهذا ما رأيناه حيث بين الفينة والأخرى نشاهد ضربات جوية سواء في سوريا أو اليمن أو حتى العراق والأبرز هو إيران حيث تم إستهداف المشروع النووي كما أسلفنا ٠
حسب تحليلي الخاص فإن الولايات المتحدة الأمريكية تريد أن تترك ملف الشرق الأوسط لتتوجه صوب منطقة أخرى ومهمة في العالم وهي منطقة ” آسيا والمحيط الهادي ” حيث القوة الصينية المتصاعدة هناك والتي صارت مبعث قلق ليس للولايات المتحدة الأمريكية فقط بل لحلفاءها هناك مثل اليابان وكوريا الجنوبية مما دفع بالإدارة الأمريكية إلى إتخاذ قرارات تتطلب منها التركيز على هذا الجانب حيث يجبرها على التخلي عن بعض الأهداف في الشرق الأوسط والتركيز على التنين الصيني هناك خصوصا وإنه بحسب مراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية فإنه خلال السنوات القادمة ستكون الصين هي المنافس الأول للولايات المتحدة الأمريكية اقتصاديا وقد يتفوق الاقتصاد الصيني على الاقتصاد الأمريكي وهذا يعني تراجع للقوة الأمريكية على مستوى العالم لأن الاقتصاد هو المحرك الأول للسياسة وبناء على الواقع الاقتصادي يتم بناء الأهداف والأفكار والخطط السياسية ومن ثم القرارات فإذا كان الاقتصاد ضعيفا ينعكس سلبا على الخيار السياسي والعكس صحيح تماما لذلك فقوة الاقتصاد الصيني تتم بتناسق مع القوة العسكرية الهائلة للجيش الصيني لذلك تريد الصين أن تكتسح ليس منطقة جنوب شرق آسيا فقط بل العالم وتصبح المهيمنة على القرارات السياسية فيها فهي بحوزتها كل مقدرات القوة العالمية سياسيا وعسكريا واقتصاديا وتكنلوجيا حيث بدأت ملامح قوتها العالمية تبرز من خلال إنشاءها للقواعد العسكرية في عدد من دول العالم إضافة إلى غزو بضاعتها التي تعتبر رخيصة وسهلة الحصول عليها تقريبا كل قارات العالم وقبل كل شيء لديها المساحة الجغرافية الكبيرة وعدد السكان الهائل ٠
لذلك فهذه المصارحة من قبل السيد باراك هي ليست قرارا رسميا نهائيا لكنها تأتي في ظل توجه أمريكي جديد وفلسفة جديدة تتطلب من سيد البيت الأبيض إتخاذ قرارات تتواكب وأهداف المرحلة القادمة والظرفية الجديدة إذ يتم تبني هذه السياسات الراهنة بصورة براغماتية معمقة وسريعة وحسب المصالح الأمريكية العليا التي صرنا نعرف خباياها بعد تسلم السيد ترامب سدة البيت البيضاوي حيث يعلن ذلك بكل صراحة وواقعية تارة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتارة عبر وسائل ألإعلام ٠
لذلك أنا أعتقد بأن ما تفضل به باراك إنما تعبر عن السياسة الأمريكية وفق المتبنيات الجديدة ليس فقط في المنطقة بل على مستوى العالم حيث أعلن جهارا الرئيس ترامب رفع شعار ” أمريكا أولا ” كدلالة إلى اعتبار المصلحة الأمريكية في المقام الأول وحسب ما تقتضيه وكل الخطوات والتحركات التي تقوم بها تتم بناء على تحقيق أهداف هذا الشعار وفق أستراتيجية خاصة بتنفيذ هذا الشعار فقط



