الصداقة في زمن السوشيال ميديا… بين الحقيقة والوهم

بقلم: لارا فراس مجيد

في زمن تتقاطع فيه العوالم الرقمية مع تفاصيل حياتنا اليومية، أصبح السؤال الأهم هو: كيف نعرف الصديق الحقيقي في عالم تختلط فيه الوجوه الرقمية بالقلوب؟
نفتح هواتفنا فنرى قوائم طويلة من “الأصدقاء”، ونتلقى عشرات الإعجابات والتعليقات، لكنّ القلب قد يشتاق لصديقٍ واحد فقط… صديق نراه وجهاً لوجه، نسمع ضحكته، ونشعر بصدقه بلا شاشة فاصلة.

لقد تحوّلت الصداقة في عصر السوشيال ميديا إلى مفهوم سريع وخفيف، تقيسه بعض الأرقام على المنشورات، بينما تبتعد عن جوهر العلاقات الحقيقية التي تبنى على المواقف والتجارب. أصبح من السهل أن نرسل رسالة مختصرة أو نشارك صورة جميلة، فنظن أن العلاقة قوية، لكن الواقع يُظهر لنا أن الروابط العميقة لا تُبنى بنقرة إعجاب، بل تُبنى بالمواقف التي تظهر عندما تُختبر القلوب.

الصديق الحقيقي ليس ذاك الذي يتفاعل مع منشوراتك فحسب، بل هو من ينتبه لصمتك قبل كلامك، ويلاحظ غيابك قبل حضورك، ويقف إلى جانبك عندما تضيق بك الأيام.
في المقابل، كثير من العلاقات الرقمية اليوم تبدو مثل صور لامعة… نبتسم على الشاشة، لكن تلك الابتسامة لا تمتد إلى الواقع. نكتب مشاعرنا على شكل منشورات، لكن قليلون هم من يفهمون ما بين السطور، ويشعرون بما لم يُكتب بعد.

العدد الكبير من الأصدقاء لا يعني قيمة حقيقية، والصداقة ليست منافسة في جمع المتابعين، بل علاقة تحتاج إلى وعي وثقة وصدق مع النفس. فالشاشة قد تُظهر الوجوه، لكنها لا تُظهر القلوب، ولا تقيس مستوى الوفاء.

ورغم كل هذا، ليست الصداقة في عصر السوشيال ميديا وهماً بالكامل. بالعكس، يمكن لهذا العالم أن يجمع أرواحاً متشابهة، ويقرّب المسافات، ويخلق صداقات حقيقية تستمر لسنوات… شرط أن نتعامل معها بعقل واعٍ، وقلب يعرف الفرق بين القرب الرقمي والقرب الإنساني.

وفي النهاية، تبقى الصداقة الحقيقية مثل نجمة ثابتة في السماء؛ مهما ازدادت حولها أضواء الشاشات وأوهام الظهور، فهي تلمع لمن يعرف قيمتها… ولا يضيع نورها بين الحقيقة والوهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار