حسب الاتفاق سومو لن تكون هي من يبيع نفط الإقليم!

بقلم/ يعقوب الخضر – مهندس استشاري وباحث في الشأن الاقتصادي

كررت الحكومة العراقية في كل بياناتها وتصريحاتها ممثلة برئيسها ومستشاريها بالإضافة الى بعض أعضاء مجلس النواب ووزارة النفط وعلى لسان وزيرها ووكيل الوزير ورئيس شركة سومو انه وحسب الاتفاق الثلاثي الذي تم الاتفاق علية بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم والشركات النفطية العاملة بالإقليم المعروفة اختصار ب أبيكور APIKUR  بأن كميات النفط, التي تراوحت التصريحات من180, 190, 230 وحتى ان البعض ذهب الى 260 الف برميل باليوم التي سيسلمها الإقليم وأبيكور الى شركة سومو في نقطة تجميع النفط في منطقة فيش خابور على الحدود العراقية التركية لتضخ بعدها من هناك من خلال الانبوب النفطي العراقي التركي ITP الى ميناء جيهان على البحر المتوسط, حيث “ستسوق وتباع من قبل شركة سومو”, هذا غير ال 50 الف برميل التي قيل انها ستبقى للاستهلاك المحلي للإقليم والتي لم تنشر أي تفاصيل حول كيفية التحاسب عليها!

 

ولكن هذه ليست الحقيقة فيما يخص التسويق والبيع!! فقد نشرت وكالة رويترز بتأريخ 22/09/2025 مقالا بعنوان “العراق, حكومة إقليم كردستان توافق على إعادة بدء ضخ النفط الى تركيا, كما يقول مسؤولون” ومما جاء في ذلك المقال “تحت الاتفاق الجديد, فأن تاجر مستقل Independent Trader سوف يتولى إدارة المبيعات من ميناء جيهان التركي باستخدام الأسعار الرسميةSPOs   لشركة سومو, شركة تسويق النفط العراقية” !!

 

هذا الخبر نشرته كذلك مواقع ووكالات عدة متخصصة في شؤون النفط والطاقة واللوجستيات مثل, وكالة بلمومبيرغ, موقع الشرق الأوسط, موقع tankterminals.com وموقع BOE Report وموقع وكالة  Rudaw حيث ذكر ان هذه المعلومات وردت على لسان مسؤولين نفطيين مطلعين وليس عبر نص اتفاق رسمي موقع بالكامل, كما أكدت مصادر لاحقة وجود هذه الصيغة (البائع المستقل) ولكن بصيغة مسودة او خطة أولية .Draft Plan

 

وخلال لقاء رئيس شركة سومو مع وكالة iqiraq.news  نهاية شهر ايلول قال فيه “ان البراميل المنتجة من النفط تسلم الى شركة تجارية تقوم بتسويقها عالميا وتودع مبالغها في حساب حكومة الإقليم ليتم تعويض الشركات المنتجة لهذا المقدار” وهذا يشير الى ذلك الأمر بصورة غير مباشرة. كما ان قناة العراقية الاخبارية, وبعد مقابلة مع وزير النفط نهاية ايلول, عرضت في شريط الاخبار المتحرك على الشاشة خبرا يقول ” شركة سومو ((ستشرف)) على عملية تسويق النفط من حقول كردستان”!!  كما قام ائتلاف أبيكور بنشر تدووينه على حسابتهم على مواقع التواصل الاجتماعي حول الية الدفع للنفط المصدر عبر خط الانبوب العراقي التركي يقولون فيها “ستقوم احدى شركات النفط العالمية, التي ستعين كمسوق, ببيع النفط وتحويل الدفعة الى حساب ضمان نيابة عن شركات النفط العالمية IOCs  لتوفير ضمانا للدفع”. وأضافوا “وفقا لتعديل قانون الموازنة العراقية, ستدفع وزارة المالية دفعة مؤقتة قدرها 16 دولارا أمريكيا للبرميل لتغطية تكاليف الإنتاج والنقل لكل برميل من النفط الخام المسلم الى شركة تسويق النفط (سومو)”.

قبل مناقشة ماذا يعني ذلك, أي اللجوء الى بائع مستقل لبيع نفط الاقليم بدلا من بيعه من قبل سومو, علينا مناقشة لماذا تم ذلك. هناك بعض الأمور التي قد تكون هي التي دفعت الى ذلك الترتيب ومنها:

 

  • أجراء مؤقت/انتقالي:

لان هناك مشاكل تشغيلية وقانونية (قضية التحكيم في باريس, موقف تركيا, موقف الشركات الأجنبية العاملة في الإقليم), فتم اللجوء الى صيغة وسطية: سومو تحدد السعر الرسمي للبيع OSP, لكن البيع الفعلي يمر عبر التاجر المستقل الذي سوف يتعاقد مع الشركات التي تشتري النفط, ويصدر من ميناء جيهان التركي لها.

 

  • إرضاء الشركات الأجنبية:

الشركات الأجنبية العاملة في الإقليم مثل ((DNO, Gulf Keystone, Genel كانت تبيع نفطها سابقا مباشرة لمشترين عالميين عبر وسطاء, دخول سومو بشكل كامل كان سيلزمهم بعقود جديدة مع بغداد فورا, وهو أمر ما ترددت بعض  الشركات في قبوله. صيغة “بائع مستقل” تسمح لهم باستمرار تدفق النفط مع الحد الأدنى من التغيير.

 

  • حساسية تركيا:

انقرة حاليا “متحفظة” على تشغيل الخط بالكامل دون ترتيب سياسي/قانوني جديد. فوجود تاجر مستقل قد يسهل الأمر عمليا ويعمل كحاجز Buffer بين سومو والمستوردين النهائيين, الى ان يتم توقيع اتفاق عراقي-تركي جديد بخصوص إعادة استعمال الخط العراقي التركي ITP, وخصوصا, كما تسرب, ان من بين الشروط التي ادخلتها تركيا في مسودة الاتفاقية الجديدة التي أرسلتها للعراق حول استعمال خط الانبوب العراقي التركي, بدأ من شهر تموز سنة 2026 هو “ألية لضمان الاستخدام الكامل للخط” والذي يعطي تركيا أساسا وحقا للمطالبة بدفع رسوم الترانزيت عن “كامل الكمية المتفق عليها, والتي كما قيل 1.7 أو 2.2 مليون برميل باليوم” حتى اذا لم يتم ضخها فعليا بالكامل, وهذا مشابه لم يعرف في العقود الدولية ببند ship-or-pay clause (أشحن أو أدفع) حيث تلتزم الدولة/المنتج بدفع الرسوم كاملة حتى لو لم تستغل السعة فعليا. تركيا تريد من وراء هذا تحقيق اعلى دخل ثابت بغض النظر عن الكميات الفعلية التي يتم ضخها او حتى إذا توقف الضخ في الانبوب!

 

اما عن ماذا يعني ذلك, فهذا يعني ان هناك تاجر مستقل او بالأحرى شركات تجارية عالمية Trading Houses مستقلة تتاجر عالميا بالنفط وسلع أخرى, مثل Vitol, Trafigura, Glencore, Gunvor الا ان الكثير من المؤشرات والتسريبات تشير الى ان شركة Vitol المؤسسة في هولندا والتي تتخذ من سويسرا مقرا لفرعها الرئيسي, هي الشركة المرجحة لكي تكون ذلك التاجر المستقل, حيث نشرت وكالة بلومبيرغ الاقتصادية قبل 3 أيام عنوانا يقول “العراق يجري محادثات مع “فيتول” لإدارة مبيعات نفط كردستان”  و “فيتول تعود بترتيب جديد يمر عبر سومو” وهناك مصادر عدة قالت ان شركة هي من سيكون التاجر المستقل الذي نص عليه الاتفاق الثلاثي بالرغم من الموقع الاليكتروني للشركة لا يذكر شيء عن ذلك.

تلك الشركة التي ستلعب دور التاجر المستقل هي من سيقوم بعملية البيع والتعاقد مع المشترين النهائيين واستلام الاعتمادات المستندية باسمها وشحن النفط وصرف تلك الاعتمادات المستندية وايداع عوائدها في حساب ضمان Escrow Account هذا الحساب ولأسباب عملية مصرفية/سياسية يتوقع ان يكون لدى بنك دولي/اوربي أو لدى بنك متفق عليه وليس بالضرورة لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي فرع نيويورك FRBNY حيث يقوم التاجر المستقل بعد ذلك بتحويل المبلغ الثابت الذي اتفق عليه (16 دولارا للبرميل) من ذلك الحساب الى منتجي الإقليم, مجموعة أبيكور, وفق نسب انتاجهم. اما الباقي (حصة الحكومة الاتحادية) فسيقوم التاجر المستقل بتحويله الى حساب سومو/الحكومة الاتحادية, الذي قد يكون حسابا تقليديا في أي من البنوك, وقد يعود جزء منه لاحقا الى حساب الحكومة العراقية/البنك المركزي العراقي في بنك الاحتياطي الفيدرالي فرع نيويورك FRBNY ولكن هذا لم يعلن مباشرة في الوثائق التي تخص هذا الاتفاق.

 

هذا الترتيب, وجود التاجر المستقل, يعني, وهذا هو الأهم والأخطر, ان سومو, ليس باستطاعتها, كما هو حاصل مع النفط المنتج في البصرة وببقية انحاء العراق ويصدر من الموانئ الجنوبية في الخليج وحتى من ميناء جيها التركي قبل 2023, من بيع واجراء التعاقدات مع المشتريين سواء كانوا مصافي نفط في الهند والصين وكوريا الجنوبية واليابان واوروبا وامريكا او شركات تجارية عالمية تتاجر بالنفط مثل Vitol, Trafigura, Glencore, Gunvor, BB Energy  واستلام الاعتمادات المستندية بها والقيام او الاشراف على تحميل الناقلات وتداول مستندات تلك الاعتمادات مع البنك المبلغ لتلك الاعتمادات, المصرف العراقي للتجارة TBI عادة, استلام عائدات تلك الاعتمادات المستندية في حساب الحكومة العراقية/البنك المركزي العراقي في بنك الاحتياطي الفيدرالي فرع نيويورك FRBNY, ان تقوم بنفس تلك الخطوات والعمليات مع نفط الإقليم الذي سوف يصدر من خلال هذا الاتفاق, بل ان تاجرا مستقلا هو من يقوم بكل ذلك نيابة عن سومو, وهذا يعني ان سومو ليس لديها نفس الصلاحيات على النفط المنتج بالإقليم كما هو الحال مع النفط المنتج ببقية انحاء العراق !!

 

وكما أسلفنا ان التاجر المستقل هو من سيتولى القيام بعمليات التعاقدات والبيع والشحن وان الاعتمادات المستندية ستأتي باسمه وأن شركة سومو سوف تقوم فقط بتحديد السعر الرسمي له, فهناك سؤال يمس جوهر السيادة على وجهة النفط Destination Control يجب يسأل, هو هل هذا التاجر المستقل هو حر ببيع نفط كردستان لمن يشاء ام يجب عليه اخذ موافقات مسبقة من شركة سومو عن المشترين والوجهات النهائية لذلك النفط, وخصوصا انه في السنوات السابقة كانت هناك بعض كميات من نفط كردستان تصل الى إسرائيل, حيث كانت شركات النفط العالمية العاملة بالإقليم تبيع نفط الإقليم الى شركات تجارية عالمية تتاجر بالنفط عالميا, من بين التي ذكرناها سابقا, وتقوم بشحن النفط اليها من ميناء جيهان التركي الى مواني بدول متعددة, ليس من بينها أي ميناء إسرائيلي, ولكن تلك الشركات التجارية العالمية التي ستقوم بإعادة بيع نفط الإقليم الى مشترين اخرين, مصافي او شركات تجارية اصغر, هي من تقوم ببيع بعض من ذلك النفط الى إسرائيل, حيث تقوم الناقلة التي تم تحميلها في ميناء جيهان التركي التي صدرت بوالص الشحن Billds of Lading الخاصة بها مذكور فيه ميناء تفريغ Discharge Port ليس إسرائيليا, ومن ثم تقوم تلك الناقلة, في عرض البحر, بتفريغ حمولتها من النفط الخام لإقليم كردستان, كليا أو جزئيا, الى ناقلة أخرى تصف بجانبها او ما يعرف في عالم شحن النفط البحري ب “من ناقلة الى ناقلة” Ship-To-Ship (STS), وقد قمت منذ سنوات من نشر تغريدات عديدة كانت عبارة عن ترجمات لما ينشره الموقع الأشهر في العالم بتتبع شحنات وناقلات النفط  TankerTrackers.com  على حسابه على تويتر/ X حول شحنات النفط الخام التي كانت تصل الى إسرائيل من نفط إقليم كردستان, من خلال تتبع تلك الناقلات بواسطة الأقمار الصناعية و/او جهاز التعريف الاوتوماتيكي AIS الخاص بالناقلة,  حيث يذكر بتلك التغريدات اسم وجنسية وعلم الناقلتين التين تجريان عملية ال STS والكمية التي تنقل من ناقلة الى أخرى والوقت المتوقع لوصول ETA الناقلة الى ميناء عسقلان النفطي الإسرائيلي, كما ويقوم بمرات كثيرة من ذكر الشركة البائعة لذلك النفط.

 

ما يمكن تلك الشركات التجارية النفطية من بيع نفط الإقليم الى اسرائيل هو خلو عقود شرائها للنفط الخام من الشركات النفطية العاملة بالإقليم من ما يعرف ببند الوجهة Destination Clause الذي عادة ما يكون موجودا في “الأحكام والشروط العامة” General Terms & Conditions في عقود بيع النفط الخام, على أساس “تحميل على ظهر الناقلة” FOB ليس لشركة سومو فحسب بل في عقود الشركات النفطية المنتجة/البائعة الخليجية الاخرى عندما تكون المبيعات الى شركات تجارية عالمية Trading House / Trader والذي يوجب على تلك الشركات التجارية اخذ الموافقات المسبقة من الشركات المنتجة/البائعة, للوجهة النهائية Destination Approval , والا ستتعرض تلك الشركات التجارية, حسب بنود العقد, الى عقوبات او حتى الحرمان من شراء النفط الخام مرة أخرى من تلك الشركات المنتجة/البائعة للنفط.

 

لذل إذا ما ارادت شركة سومو ضمان عدم وصول أي جزء من نفط الإقليم الى إسرائيل, كما هو الحال مع بقية نفط العراق, يجب أن تطلب وتُطبق البنود التالية صراحة بالعقد مع التاجر المستقل (أو في شروط البيع المعلنة) والا ستكون هناك عقوبات تعاقدية وجنائية وحتى فسخ العقد  مع التاجر المستقل:

  • بند الوجهة Destination Clause يمنع البيع لأي وجهة محضورة (تسمى الدولة صراحة “إسرائيل” أو أي بيع يؤدي الو وصول ذلك النفط اليها, مع تدبير جزائي فوري لأي خرق.
  • التاجر المستقل لا يحق له تعيين او الاتفاق مع المشتري النهائي أو تغيير الوجهة دون الحصول على موافقة خطية مسبقة Consent to Buyer / Prior Approval من سومو.
  • ان يذكر في الاعتمادات المستندية L/Cs وبوالص الشحن B/Ls وأي مستندات شحن أخرى, والتي يجب تسليم نسخ منها بأوقاتها المحددة, الى شركة سومو أسم مستلم الشحنة Consignee صراحة, وان يذكر بهما أيضا وبصورة واضحة, ان التحويل “Transshipment Not Allowed” الى ناقلة أخرى غير مسموح به.
  • ان تستلم شركة سومو, عن كل شحنة يقوم بها التاجر المستقل, وثيقة اثبات التفريغ Proof Of Discharge POD ونسخة عن بيانات جهاز التعريف الاوتوماتيكي AIS الذي يبين مسار الرحلة بالتفصيل.
  • التاجر المستقل مُلزَم بإجراء فحص صارم للمشتريين KYC / Sanctions Screening وتقديم وثائق إثبات هوية المشتري النهائي وملفّه التجاري قبل توقيع العقد, كما يجب ان يكون لشركة سومو حق مراجعة Audit Right الوثائق التعاقدية والمالية واللوجستية للتاجر المستقل.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار