السليمانية وعقدة أربيل

بقلم/ علاء الخطيب
ما حدث في السليمانية لم يكن حدثاً عادياً ، وليس هو خصومة سياسية بين طرفين على زعامة حزب ، أو نزاع على سلطة المدينة ، بل هو ردة فعل على أربيل وحلفائها، كما هي انعكاس للصراع بين القوى الدولية المتنازعة في المنطقة .
لاهور شيخ جنكي الذي يمتلك مليشيا مسلحة قوية ، اختارها بعناية عندما كان رئيسا لجهاز مكافحة الارهاب الكردي الذي شُكل ودُعم من قبل الولايات المتحدة ، ليكون يداً ضاربة في الوقت الذي يتطلب ذلك ، كما انه يمتلك قناة تلفزيونية ” zoom “ وجهاز اعلامي ومواقع إلكترونيّة ،وحزب جبهة الشعوب ” فهو يؤسس لكيان جديد .
شيخ جنكي القريب من اربيل، وذو الميول الأمريكية، لم ينسجم مع توجهات بافل طالباني نجل الرئيس ” مام جلال ” القريب من ايران ، والمدعوم من بعض قوى الاطار التنسيقي في بغداد ، الداخل بقوة للواقع السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني في عام 2021 , لينتزع السلطة من ابن عمه رجل المخابرات ” لاهور شيخ جنكي ” وشريكه في رئاسة الحزب انذاك .
لم تكن المواجهة بين رجلين بل هي مواجهة بين رؤيتين استراتيجيتين: لاهور رجل المخابرات ذو الارتباطات الدولية ، وبافل، الذي أجاد التكيف مع التحولات الإقليمية ونسج علاقة أوثق مع إيران وحلفائها. ومع الوقت، رجحت كفة الأخير، ليتراجع نفوذ لاهور، تاركاً خلفه سؤالاً أعمق حول حدود اللعبة بين الولاء الخارجي وتوازنات الداخل.
هنا تداخلت المصالح الدولية ، والداخلية ، فمن جهة ان الزعيم الجديد للاتحاد الوطني ، ليس على وفاق مع اربيل، و يعارض سيطرة عائلة البارزاني على الواقع الكوردي ، وهذا نهج والده الراحل جلال طالباني ، كما هي رغبة الكثير من اهالي السليمانية، علاوة على توجه بعض السياسيين في بغداد، الراغبين بوجود قوة مقابلة لقوة أربيل كي يتمكنوا من المناورة مع الاقليم.
لقد بنى بافل طالباني قاعدة شعبية مؤيدة له ، كما تمكن من استمالة الكثير من المحيطين بخصومه السياسيين حتى ان الشخص الذي اعتقل ” لاهور شيخ جنكي ” كان لاهور هو من عينه في المنصب و من المقربين له.
كما ان باقل الطلياني يريد ان يكون القائد والزعيم الأوحد في السليمانية دون منازع، وربما هذا ما يريده حلفاؤه في بغداد ، كي يكون صوت السليمانية موحداً قبال أربيل .
لقد جائت خطوة اعتقال. شيخ حنكي كما يقول البعض استكمالاً لاعتقال رئيس “تكتل الجيل الجديد” شاسوار عبد الواحد، للتخلص من الخصوم السياسيين ، سيما وانه مقبل على انتخابات تشريعية عامة في نوفمبر القادم .
ومن جهة ثانية ان الاعتقالات والتصفيات السياسية ، كانت بمثابة ضربة قاسية لأمريكا ، فقد عرف “شيخ جنكي” بارتباطاته مع واشنطن وقربه من أربيل ، وهذا ما أكده شادمان ملا حسن القيادي في حزب جبهة الشعوب الذي يرأسه شيخ جني في بيان بعد اعتقال زعيمه بقوله : أن” الحزب سيواصل عمله السياسي وسيتواصل مع بغداد وأربيل والبعثات الدبلوماسية الدولية للضغط من أجل إطلاق سراح قائده” .
هذا البيان بمثابة رسالة واضحة، ان الأمر لن يتوقف او ينتهي باعتقال لاهور ، وانه ابعد من اعتقال زعيم حزب مناهض لسلطة آخر ، أو حتى تهيئة للانتخابات القادمة وان كانت ضمن الخطة العامة للتصفيات وإخلاء الساحة ، لكن المشكلة تبقى اعمق ، تتجلى فيه صور الصراع الدولي بين ايران وأمريكا، ولو عدنا إلى الوراء قليلاً وقلبنا في أوراق اجهزة المخابرات التي سربت لرأينا ان المسألة تمتد منذ عملية اغتيال ابو مهدي المهندس. وسليماني فقد ذكر موقع النهرين نقلا عن موقع “ياهو نيوز” (Yahoo! News) الأمريكي ، خبراً مفاده ان خطة سرية” كانت معدة لاغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني في العراق شارك فيها عناصر من قوات جهاز مكافحة الارهاب الكوردية في اقليم كردستان والمعروفة باسم (CTG). والذي كان تابعاً للشيخ جنكي انذاك.
هذا الخبر رجح كفة بأفل طالباني ، وفهم اللعبة وأمسك بخيوطها ، وبدت زعامته تترسخ شيئاً فشيئاً ، فيما راح خصمه لاهور يتشبث في علاقاته السابقة ومد جسوره مع الداعمين له ، لكنه دون جدوى .
فلم تعد أربيل تعتمد عليه في خصومته مع بأفل الطالباني الخصم العنيد لأربيل ، ولا حتى الجانب الأمريكي ، الذي اعتبروه ورقة محروقة لا يمكن الاستفادة منها ، علاوة على ما تمتلكه المخابرات الإيرانية من أوراق ضد الرجل .
لقد كانت عملية اعتقال لاهور وشقيقه نهاية للصراع بين الرؤيتين داخلياً لكن يبقى الصراع الخارجي مفتوحاً ، وتبقى انعكاساته مستمرة.
باعتقال لاهور وبعض القيادات المناوئة لسلطة حزب الأحاد الوطني الكردستاني ، ربما تكرست سلطة بأفل طالباني ، لكن عقدة أربيل لن يستطيع تخطيها او تجاوزها، ولن تنتهي بسقوط الخصوم .