الترندات.. سطوة اللحظة وتأثيرها العميق على مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي

بقلم: إياد نجم الشيخ
في عالم تتسارع فيه الأحداث، وتُختصر فيه المسافات والحدود إلى شاشات صغيرة بين أيدينا، أصبحت الترندات (Trends) على مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من مجرد مواضيع رائجة؛ بل تحولت إلى قوة تأثير هائلة، توجه الرأي العام، وتشكل سلوك الأفراد، وتعيد تشكيل أولويات المجتمعات، لا سيما في العالم العربي والعراقي على وجه الخصوص.
الترند.. ما بين التسلية والتوجيه
تبدأ الترندات غالبًا كحدث صغير: مقطع فيديو، تصريح مثير، أو صورة غير متوقعة، لكنها سرعان ما تتحول إلى موجة جارفة بفضل التفاعل المتسلسل. وفي لحظات، يتجه الملايين لمتابعة الحدث، وإبداء الرأي حوله، وربما إعادة نشره وتضخيمه.
في البداية، بدت هذه الظاهرة مجرد وسيلة للترفيه أو لفت الانتباه، لكنها اليوم باتت تؤثر بعمق على اهتمامات الناس ووعيهم، بل وتُحدث تحولات في سلوك الأفراد. فقد تُحدث الترندات موجات من التعاطف أو الغضب أو الهجوم الجماعي، وقد تؤدي إلى محاسبة شخصية عامة أو الترويج لمنتج، أو حتى دفع قضية مجتمعية إلى الصدارة.
التأثير النفسي والاجتماعي أحد أبرز تأثيرات الترندات يكمن في الضغط النفسي الناتج عن “الخوف من الفوات” أو ما يعرف بـ(FOMO). يشعر كثير من المستخدمين بالحاجة لمواكبة كل ما هو رائج كي لا يُنظر إليهم على أنهم “خارج اللحظة”. وهذا يولد نوعًا من الإدمان الرقمي على التحديثات المستمرة، والانشغال بما لا يُهم، على حساب القضايا الجوهرية في حياتهم.
كما أن بعض الترندات تُعزز من السطحية والانتقائية في التفكير، حيث تُختزل قضايا معقدة في مقاطع قصيرة أو شعارات سريعة، مما يُضعف من قدرة المتابع على التحليل النقدي والتفكير العميق.
الترندات المضللة..
ليست كل الترندات بريئة أو عفوية. فقد تُستخدم أحيانًا بشكل مقصود لأغراض سياسية أو تجارية أو حتى لتشويه سمعة أشخاص أو كيانات. يتم تضخيم بعض المواضيع دون تدقيق أو تحقق، لتتحول إلى حملات تشويه أو شائعات تضرب الثقة بالمؤسسات أو تنشر الخوف بين الناس.
وفي حالات كثيرة، تتسبب بعض التحديات المنتشرة على شكل ترندات – خصوصًا بين المراهقين – في مخاطر صحية أو سلوكية، مثل تحديات الأذى الجسدي أو المقالب العنيفة.
كيف نواجه هذه الظاهرة؟
لا يكمن الحل في الانسحاب من الفضاء الرقمي، بل في الوعي النقدي، وامتلاك مهارات “الفلترة الرقمية”. على المستخدم أن يسأل نفسه قبل التفاعل مع أي ترند:
من يقف خلفه؟
ما الهدف منه؟
هل هو حقيقي أم مفبرك؟
هل يستحق فعلاً كل هذا الاهتمام؟
كما على المؤسسات التعليمية والإعلامية أن تعزز من ثقافة الاستهلاك الواعي للمحتوى الرقمي، وتشجيع التفكير التحليلي لدى الشباب خاصة، حتى لا يصبحوا مجرد متلقين سلبيين.
خلاصة القول
الترندات هي مرآة لواقعنا الرقمي، لكنها ليست دائمًا انعكاسًا دقيقًا لحقيقتنا. وبين الترفيه والتضليل، وبين التعبير والتهويل، تقف مسؤولية كل مستخدم في أن يكون حاضرًا، لا منساقًا.
وفي النهاية، يبقى الوعي هو الحصن الوحيد في عصر تغزوه الترندات كل دقيقة.