“ستريك السناب شات ” هوس رقمي أم وسيلة تواصل !

بقلم/ نبأ عبود حسن

في زمنٍ تُختصر فيه المشاعر بلقطة، وتُقاس فيه العلاقات بعدد الأيام المتواصلة، ظهر “ستريك سناب شات” كأحد أشكال التواصل الرقمي الذي لا يعتمد على الكلمات، بل على صور عابرة ورسائل صامتة، تحمل في طياتها معنى الالتزام، والتكرار، وربما وهم العلاقة

الستريك ليس مجرد رقم يظهر بجانب اسم المستخدم، بل هو نظام تفاعلي مشروط، يعتمد على التواصل اليومي الثنائي بين مستخدمَين، يجبرهما على إرسال سنابات بشكل متواصل دون انقطاع. وما أن يستمر التواصل لأكثر من ثلاثة أيام، حتى تظهر شعلة تُعلن بدء “السلسلة”.

هذه الظاهرة، ورغم بساطتها الظاهرية، تحمل في طياتها أبعادًا اجتماعية ونفسية عميقة، جعلت منها أكثر من مجرد عادة رقمية، بل انعكاسًا لتغيرات مفاهيم العلاقات، والارتباط، والانتباه في زمن السرعة.

في جوهرها، الستريك هو تمثيل رمزي للتواصل لكنه في كثير من الأحيان، يتحول إلى تواصل بلا مضمون؛ مجرّد لقطة مظلمة، أو صورة غير مفهومة، لا تُعبر عن شيء سوى الخوف من كسر السلسلة، لا عن الشوق، أو الحديث، أو حتى الاهتمام؛ وهنا، تكمن المفارقة: تواصلٌ بلا تواصل.

وتأتي خطورة الستريك من اعتماده على الإيقاع النفسي للروتين الرقمي، إذ يُبرمج الدماغ على اعتبار الاستمرارية هدفًا بحد ذاته، لا الوسيلة وبالتالي، يتحول الستريك إلى نوعٍ من الإدمان الخفي، يحرّك المستخدم يوميًا دون وعي، فقط لحماية الرقم من الزوال.

في العلاقات الرقمية، يصبح الستريك أحيانًا بديلاً عن التواصل الحقيقي، بل يُستخدم مؤشر على قوة العلاقة أو ضعفها؛فيُسأل الشخص: “عندكم ستريك؟”، لا “هل تتكلمون فعلًا؟”. وهذا يعكس تغيّرًا جوهريًا في معنى القرب والانتباه والاهتمام، حين يُختصر في رمز رقمي متوهج.

الأخطر من ذلك، هو أن بعض العلاقات باتت قائمة فقط على هذا الرقم، وحين يُكسر الستريك، تنكسر العلاقة معه، أو تنكشف هشاشتها. وهكذا، يتحول الستريك من وسيلة للتواصل، إلى أداة تكشف فراغ العلاقة لا عمقها.

وما يعزز تأثير الستريك هو اعتماده على المكافأة الفورية واللاوعي الرقمي. فكلما ازداد الرقم، يشعر المستخدم بالإنجاز، وكأنه حقق شيئًا، رغم أن الإنجاز قد لا يتجاوز إرسال صورة خالية من المعنى. هذه الديناميكية هي ذاتها التي تستغلها كثير من التطبيقات لبناء الإدمان الرقمي، وربط المشاعر بالبيانات.

من جهة أخرى، قد يبدو الستريك للوهلة الأولى بأنهُ أداة بريئة، لكنها في عمقها ترتبط بثقافة أكبر: ثقافة الأرقام، والسرعة، والتفاعل اللحظي. وفي هذه الثقافة، يُقاس الحضور بعدد الستريكات، والاهتمام بعدد الإشعارات، والارتباط بعدد الأيام المتتالية.

وفي ظل هذا كله، تُطرح تساؤلات جوهرية:
هل أصبح الستريك بديلاً عن الحديث الصادق؟
هل الرقم أهم من العلاقة؟
وهل نحن نُرسل السناب من أجل الآخر… أم من أجل الرقم؟

ربما آن الأوان لإعادة تعريف علاقتنا بهذه الرموز الرقمية، والنظر بعمقٍ أكبر إلى طبيعة التواصل الذي نمارسه؛ لأن التواصل الحقيقي لا يُقاس باللهب، ولا يُحفظ برقم، بل يُبنى بالكلمة، والحضور، والصدق.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار