دائرة النّخب السياسيّة المُغلقة

بقلم حسيني الاطرقجي/ باحث في الشان الامني

وفق مؤشِّر eqx” Elite Quality Index 2025″ الصادر عن جامعة s.t galeen السويسرية للعام الماضي 2024 الذي يقدّر ما اذا كانت “نخب الدولة” تحقق قيما صافية للمجتمع ام تحقق المكاسب لصالحها الخاص على حساب الشعوب، رُتِب العراق بالمرتبة 146 عالميا من اصل 151 دولة في قياس جودة النخب الحاكمة، ابتداءً من حفاظ النخب على الامن القومي للدولة والتنمية الاقتصادية مرورا بالعلاقات الدولية وتقدير المصالح وفق التحديات انتهاءً بالخطاب الرسمي لعواصم القرار، فيما يتوجه المؤشر الى الركن الاساس لدى الدول في المؤشر الى قدرة التعاطي مع الازمات الداخلية والاقليمية والدولية.

قد لا يكون هذا المؤشر دقيقا وفقا آراء المعترضين لكنه بالتأكيد لا يخلو من الصحّة، فهو بالمحصلة يتناول مسؤوليات السلطات الرئيسة في ظل الوضع العالمي ويقدّم مقاربات بين الانظمة المتقدمة وغيرها من الانظمة المتعثرة، ومن بين المؤشرات الاساسية ظهر مفهوم “نخبة الكومبرادور” ، والكومبرادور هي: طبقة تجسد بالمفهوم العملي كالتبعية والخضوع وإرتهان القرار السيادي بالفواعل الاقليميين والدوليين والمصالح الخاصة، ألتي لا علاقة لها بالوطن او العدالة الاجتماعية والسيادة، وتكون محكومة برأس مال السلطة.. وهذه النخب تصنف في قائمة الانظمة الحاكمة على أنها نخب سياسية مُغلقة، بمعنى أنها تحيط نفسها بقوالب وأُطر ثابتة أمام الرأي العام والتنافس الانتخابي عِبر هيمنتها على الاعلام والامن والقضاء.

بناءً على ما تم ايضاحه تقف العملية السياسية في العراق وقفةً عرجاء ضمن طابور هذه التصنيفات متأرجحة ما بين الفساد المستشري في الانظمة المتعاقبة والبيروقراطية المتجذرة في هوية السلطة والمؤسسات، ويقفز في المدلول تصريح رئيس هيأة النزاهة السابق القاضي حيدر حنون في وصفه لمجمل مسارات الدولة من وجهة نظر الهيأة بالقول “من غير الممكن التصدي للفساد في العراق، لقد اصبح للفساد طائفة”، بمعنى أن تداخل مصالح الفاسدين ما بين الاطياف الحاكمة للتمثيل المكوناتي أكسب مسار الفساد مناعةً قصوى قبالة التصدي والمحاسبة لها.

بالوقت الراهن وبين ترقب لإجراء العملية الانتخابية في العراق تظهر أوكسترا خاصة داخل اطياف المعترك الانتخابي توجه العزف المنفرد تارةً داخل الحزب والعزف الجماعي داخل التحالف بنغمات خادشة للذوق والقانون وصور مهينة للدولة، تبدأ بخطاب الاقصاء والكراهية والتخوين يتحول عبرها المسار الانتخابي الى معسكرات متقابلة من الخطابات الثأرية، فيما ينعكس هذا الخطاب السياسي اجتماعي على شكل سلوكيات اجتماعية تُعزز الادوار السلبية للمكونات (الشيعية، السنية والكردية) وترسم ملامح تخندقات جماهيرية داخل الطيف المجتمعي الواحد، بتقادم الايام تتحول هذه السلوكيات المُتصلبة الى فوران اجتماعي يخلق بيئة واعدة للعنف والتطرف.

هذه الإسهامات السياسية والمجتمعية وعن طريق ادوات الاذكاء من الوجوه الواضحة في الشاشات والأسماء والكنى المجازية لادوات الجيوش الالكترونية في فضاء الاعلام الرقمي والتزييف العميق المدعومة من المال السياسي وموارد الدولة وسلطة العنف قادة على تذويب الهوية الوطنية وتفكيكها الى هويات شوكيّة فرعية قاتلة للآمال بعيدة المنال التي تعلقها الطبقات الطامحة بمستقبل أفضل، بهذه الوتيرة تتحول اهداف العملية الانتخابية من طموح الاصلاح والتغيير النسبي -على الاقل – إلى مُجرد إجراء حكومي لتغيير صفات ومغانم الزعامات وتداول السلطات بين الاكثر بين الاقوى هيمنة على الموارد ومصادر القرار، ما يعني ان فكرة الانتخابات تفضي الى تبادل وتجديد أدوار في دائرة النخب السياسية المغلقة

تمكنت “نخب الكومبرادور” من الحفاظ على الثبات المناصبي في دورات المحاصصة، بل أنها وصلت الى مرحلة نكران الواقع والمُتغيرات الدولية عِبر إعتقادها بأمكانية الثبات المرتكز على المال السياسي والسلاح وأدلجة المجتمع تماهيا مع معتقداتها الخاصة، وهذا الانسياق يتماشى وفكرة نشوء وتفكك الدول “دورة حياة الدولة” بينما تشي الحتمية التأريخية الى أن هذه الطبقات الحاكمة في اوقات المخاطر المحدقة لا تشهر الفوهات تجاه العدو إنما تنتهي الى صورة نمطية وفق المثل السياسي “الدولة الفاشلة تطلق النار على قدميها” في إشارة الى أن الامم لاتموت إنما تشلّ نفسها أو تنتحر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار