الصراع العقائدي بين إيران وإسرائيل: جذور التاريخ ورهانات المستقبل

بقلم/ خالد الغريباوي
الصراع بين إيران وإسرائيل يتجاوز حدود السياسة والتحالفات، هو صراع مشحون بسرديات دينية ضاربة في عمق التاريخ يغذيها خطاب لاهوتي قائم على فكرة المظلومية والانتظار والخلاص، كلا الطرفين ينظر إلى نفسه كصاحب رسالة وكلاهما يحمّل الآخر صورة “العدو الأزلي”.
ففي الحالة الإيرانية تستند العقيدة الشيعية الاثني عشرية إلى فكرة الانتظار لظهور الإمام المهدي الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً ،في هذه العقيدة تُربط معركة الظهور بمواجهة قوى الشر، وتُصور إسرائيل باعتبارها كياناً غاصباً للقدس ومهد الأنبياء، كأحد رموز ذلك الظلم العالمي الذي يجب أن يُزال قبل تحقق الخلاص ، هذا الخط العقائدي تعزز بعد الثورة الإيرانية عام 1979، حين أعلن أية الله الخميني أن الثورة ليست إيرانية بل “ثورة إسلامية عالمية”، وأنها مقدمة لظهور الامام المهدي.
في المقابل تُعرف إسرائيل نفسها كدولة يهودية دينية تقوم على فكرة العودة إلى “أرض الميعاد”، وتستند في شرعيتها إلى نصوص التوراة والتلمود، وتُستحضر شخصيات مثل النبي داوود، وسليمان، وحتى طالوت (شاؤول)، كرموز تاريخية تؤسس لفكرة أن اليهود يجب أن يعودوا إلى أرضهم ويحكموها ،هذا البعد اللاهوتي يجعل من الصراع مع إيران صراعاً مع من ينكر هذه العودة ويرى فيها احتلالاً وعدواناً ، لكن هل يمكن أن تنتصر المصلحة على العقيدة؟
ففي مراحل متعددة من التاريخ تعامل الطرفان بشكل غير مباشر، خاصة في زمن الشاه رضا بهلوي، حين كانت العلاقات مع إسرائيل سرية ولكن قائمة ،وحتى بعد الثورة ظهرت حالات تعاون ظرفي مثل ما يُعرف بـ”إيران غيت” في الثمانينات، حيث مرّت صفقات سلاح عبر وسطاء رغم العداء العلني ،هذا يُظهر أن العقل البراغماتي لم يغِب كلياً، حتى في ذروة الشعارات الدينية.
المشهد الحالي والمستقبل القريب لا يوحي بانفراج قريب، فالتصعيد مستمر، والعداء العقائدي يتغذى على أزمات المنطقة من لبنان إلى غزة ومن سوريا إلى العراق واليمن، لكن في الوقت ذاته تغيرت أولويات الداخل، الاقتصاد الإيراني منهك، والشباب بعيدون عن الحماسة العقائدية، أما في اسرائيل، المجتمع الإسرائيلي يمر بأزمات سياسية داخلية عميق لذلك قد يحمل المستقبل مفاجآت، ليس بالضرورة اتفاق سلام بل تفاهمات غير معلنة، أو على الأقل تجنب لحرب شاملةوهنا تبرز فكرة “الهدنة العقائدية”: أن يحتفظ كل طرف بسرديته، لكنه يتجنب الصدام إذا أصبح الثمن باهظاً جداً، بالمحصلة الصراع بين إيران وإسرائيل ليس بلا نهاية، لكنه أيضاً ليس قريب الحل. هو صراع بين روايتين مقدستين، تقودهما دولتان براغماتيتان حين تضيق الخيارات.