تأثير الصراع الإيراني – الإسرائيلي على العراق

بقلم/ الدكتور عـامـر فـاخـوري – أستاذ القانون الدولي وخبير العلاقات الدولية

في رأيي، ما نشهده اليوم من تصعيد بين إسرائيل وإيران هو واحد من أخطر السيناريوهات التي عرفتها المنطقة خلال العقدين الأخيرين. الضربات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت منشآت نووية إيرانية حساسة مثل نطنز وفوردو، ورد طهران بإطلاق صواريخ باليستية، لا يمكن اعتباره مجرد تبادل رسائل نارية، بل هو دخول فعلي في مواجهة عسكرية مفتوحة، مرشحة للتوسع إقليمياً، وربما دولياً.

 

بتقديري، العامل الأميركي سيكون حاسماً في تحديد مسار هذه المواجهة. الإدارة الأميركية، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، تطرح خيار “الاستسلام غير المشروط” على إيران، ولكن داخل البيت الأبيض لا تزال هناك أصوات منقسمة: تيار يدفع نحو تدخل عسكري مباشر إلى جانب إسرائيل، وآخر يخشى من تبعات الانجرار إلى حرب شاملة. المعلومات المتوفرة تشير إلى استعداد واشنطن لاستخدام قنابل خارقة للتحصينات من نوع GBU‑57 أو ما يعرف بقنابل MOP، وهي مصممة خصيصاً لاستهداف منشآت محصنة للغاية.

 

أعتقد أن العراق يقف اليوم في وضع بالغ الحساسية. فمن جهة، هناك شراكة أمنية واستراتيجية مع الولايات المتحدة، ومن جهة أخرى، هناك نفوذ إيراني متجذر في مفاصل الدولة، سواء عبر قوى سياسية أو ميليشيات مسلحة. هذا التداخل يجعل من العراق طرفاً غير مباشر في المعادلة، بل وربما ساحة لتصفية الرسائل بين واشنطن وطهران.

رغم أن الحكومة العراقية أصدرت بيان إدانة للضربات الإسرائيلية، إلا أنني ألاحظ وجود تباينات داخلية واضحة في الموقف الرسمي، تعكس عمق الارتباطات المتضاربة بين المحورين الأميركي والإيراني داخل العراق.

بتقديري، هناك خطران رئيسيان يهددان العراق في ظل هذا التصعيد:

  1. مرور الصواريخ أو الطائرات المسيرة الإيرانية والإسرائيلية عبر الأجواء العراقية، وهو ما قد يؤدي إلى سقوطها على مناطق مدنية عن طريق الخطأ أو نتيجة اعتراضات فاشلة.
  2. استهداف القواعد الأميركية داخل العراق، سواء من قبل إيران مباشرة أو عبر الميليشيات المرتبطة بها، بهدف ممارسة الضغط على واشنطن.

هذه الهجمات قد تكون محدودة أو رمزية في البداية، لكن الخطر يكمن في تطورها إلى عمليات واسعة النطاق تؤدي إلى انهيار أمني جزئي أو كلي،

من وجهة نظري، لا يمكن فهم سلوك العراق الحالي من دون الرجوع إلى ما بعد عام 2003، حيث نجحت إيران في ترسيخ نفوذها داخل البلاد عبر دعم أحزاب دينية وكتائب مسلحة. هذا النفوذ جعل من العراق إحدى أهم ساحات المواجهة غير المعلنة بين طهران وواشنطن، وأحد أبرز ممرات الصراع مع إسرائيل.

اليوم، تجد الميليشيات العراقية نفسها أمام خيارين: إما الرد على الهجمات تضامنا مع طهران، أو الحفاظ على المكاسب السياسية والمالية التي راكمتها ضمن الدولة العراقية. وحتى الآن، يبدو أن هذه المجموعات تميل إلى الخيار الثاني، لكنها تترك الباب مفتوحاً أمام تحركات محسوبة عند الحاجة.

امر آخر ، لا أعتقد أن العراق بمنأى عن الآثار الاقتصادية. ارتفاع أسعار النفط قد يبدو مفيداً على المدى القصير، لكنه في ظل توقف المشاريع الأمنية والاستثمارية، وتحويل الإنفاق نحو القطاع العسكري، لن يحمل مكاسب حقيقية. كما أنني أتوقع موجات نزوح داخلي من مناطق الشمال والغرب إذا ما تدهور الوضع الأمني هناك، خاصة إذا تحولت تلك المناطق إلى ساحات خلفية للاشتباك أو مسارات لمرور الصواريخ.

 

في تقديري، هناك ثلاثة سيناريوهات رئيسية يمكن أن يتجه إليها الوضع الراهن في ظل التصعيد الإيراني الإسرائيلي. السيناريو الأول هو انخراط أميركي مباشر في الحرب، من خلال تقديم دعم عسكري نوعي لإسرائيل، لا سيما عبر استخدام القنابل الخارقة للتحصينات MOP، وهو ما قد يدفع إيران إلى الرد عبر استهداف القواعد الأميركية داخل العراق، الأمر الذي قد يفجر أزمة أمنية داخلية ويزيد الضغط على الحكومة العراقية. أما السيناريو الثاني، فهو توسع المواجهة لتصبح صراعاً إقليمياً شاملاً، أو تدخل الميليشيات التابعة للمحور الإيراني، وهو سيناريو أراه خطيراً جداً، لأنه سيفتح الباب أمام مواجهات متعددة الجبهات داخل العراق، وعودة نشاط الجماعات المتطرفة في بيئة فوضوية. أما السيناريو الثالث، فهو التوصل إلى تسوية دبلوماسية بين الأطراف الكبرى، تنزع فتيل التصعيد وتفتح الباب أمام تفاهمات جديدة، وهذا السيناريو رغم صعوبته إلا أنه، من وجهة نظري، يمنح العراق فرصة حقيقية لتعزيز استقراره الداخلي وإعادة فرض هيبة الدولة على القرار الأمني والسياسي.

 

كلمة أخيرة: أي دور يمكن للعراق أن يلعبه؟

من وجهة نظري، لا يملك العراق ترف أن يكون محايداً تماماً، لكنه في المقابل لا يحتمل أن يكون جزءاً من أي محور بشكل صريح. المطلوب الآن من العراق أن يعمل بذكاء سياسي لتجنيب أراضيها الاستخدام من أي طرف، وأن تعزز قدرتها على حماية المنشآت والقواعد، وتعيد ضبط علاقاتها الإقليمية بما يخدم أمنها أولاً.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار