اتفاقيات بروتوكولية واستقبال رفيع.. فماذا أراد السوداني حقًا من أردوغان؟ تحليل لقاء مكي

خاص|
قدّم الباحث في مركز الجزيرة للدراسات، الدكتور لقاء مكي، إحاطة شاملة حول دلالات ونتائج زيارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى أنقرة، مشيرًا إلى أن ما أُعلن عنها لا يرتقي إلى مستوى التوقعات، في ظل السياق الإقليمي المتوتر وتوقيت الزيارة الحرج.
وفي تصريح خاص لـ“منصة جريدة”، أوضح مكي أن “كل الاتفاقيات التي أُعلنت عقب الزيارة هي اتفاقيات اعتيادية، يمكن لوزراء أو وفود رسمية أخرى توقيعها دون الحاجة إلى زيارة دولة بهذا المستوى”، مضيفًا أن “عدم تضمن المذكرات الموقعة أي بنود استثنائية أو تغييرات نوعية يشير إلى أن الطابع العام للزيارة كان بروتوكوليًا، يقتصر على ترتيبات نمطية”.
ورأى أن “الاستقبال الحافل للسوداني، وتوقيت الزيارة الذي جاء عشية القمة العربية التي تستضيفها بغداد، في ظل انشغال حكومي كبير بالتحضير لهذا الحدث، يجعل من المرجح أن هناك ملفات أُثيرت ولم يُكشف عنها في البيانات الرسمية”.
وبيّن مكي أن “أحد أبرز هذه الملفات هو طريق التنمية، الذي جرى التلميح له فقط في المؤتمر الصحفي، دون أن يحضر في أي من الاتفاقيات أو المذكرات، رغم أنه ملف محوري تم تداوله بإلحاح في العلاقات بين العراق وتركيا”، معتبرًا أن “غياب الطريق عن التوقيع لا يعني غيابه عن المباحثات، بل ربما جرى التفاهم عليه على مستوى فني أو إداري، دون الحاجة إلى اتفاق مكتوب”.
كما أشار إلى أن “ملف التعاون الأمني، وخاصة ما يتعلق بحزب العمال الكردستاني، كان حاضرًا في التصريحات، لكن دون تفاصيل، تصريح السوداني بأن العراق لن يسمح باستخدام أراضيه للاعتداء على الجيران، كان إشارة واضحة إلى ملف حزب العمال، لكن ما جرى مناقشته فعليًا بقي طي الكتمان”.
وأضاف: “هذا الملف سبق أن طُرح في أكثر من مناسبة، وتم اتخاذ قرارات بشأنه، لكنه ما زال معلقًا. وربما يعود ذلك إلى تقصير من الطرفين، أو غياب الإرادة السياسية لحسمه نهائيًا”.
ولفت مكي إلى أن “الملف السوري بدوره غاب عن التصريحات المباشرة رغم أنه قضية استراتيجية للطرفين، فتركيا منخرطة بعمق في شمال سوريا، والعراق من جهته باتت له علاقات متقدمة مع دمشق”، موضحًا أن “السوداني يواجه انتقادات داخلية بسبب تعامله مع النظام السوري، وكان من المنطقي أن تكون هذه القضية ضمن ما تم بحثه خلف الأبواب المغلقة”.
وعن التفاهمات الأمنية، قال مكي: “قد يكون الطرفان توصلا إلى تفاهم أمني لا يتطلب اتفاقًا مكتوبًا، لأن الاتفاقات الأمنية في الغالب تحتاج إلى موافقات حكومية وبرلمانية رسمية، سواء في العراق أو في تركيا، وما جرى قد يكون إجراءات مشتركة غير معلنة”.
وحول البعد السياسي للزيارة، أشار الباحث إلى أن “تركيا تنظر بإيجابية إلى السوداني وتراه شريكًا يمكن الوثوق به، لكنها لا تملك أدوات ضغط داخلي كافية لصنع فارق انتخابي كبير لصالحه”، مؤكدًا أن “تركيا وإن كانت تفضّل السوداني، فإن قدرتها على مساعدته محدودة، حتى في حال تواصلها مع بعض القوى السياسية أو الشخصيات القريبة منها”.
وأضاف: “ربما تسعى أنقرة إلى المساهمة في تشكيل كتلة نيابية مؤيدة للسوداني، لكن هذه الكتلة – إن تشكلت – لن تكون ذات ثقل كافٍ يغنيه عن التحالف مع قوى كبيرة وفاعلة في المشهد السياسي، خاصة من خارج الإطار التنسيقي، الذي هو على خلاف معروف معه”.
وختم مكي تصريحه بالتأكيد على أن “الزيارة لا يمكن التعامل معها كزيارة اعتيادية، بل يبدو أنها جاءت نتيجة دوافع غير معلنة، ربما تتعلق بملف أمني أو سياسي ضاغط، اقتضى لقاءً مباشرًا مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان”، مشيرًا إلى أن “إعادة انتخاب السوداني لولاية ثانية قد يكون أمرًا مهمًا بالنسبة لأنقرة”.