تحليل سياسي: تشكيل التحالفات العراقية.. من خطاب الطائفة إلى حسابات الخارج!

خاص

قال الخبير في الشأن السياسي أحمد الياسري، إن التحالفات في العراق تتشكل وفق قراءة نقدية تستند إلى ثلاثة عوامل رئيسية، تتوزع بين الأيديولوجيا والمصالح الاقتصادية والعوامل الخارجية.

وذكر الياسري في تصريح خاص لـ”جريدة”، أن “العامل الأيديولوجي ما زال حاضراً بقوة، حيث تعتمد الكتل السياسية على الطائفية والخطاب العرقي لتقديم نفسها كممثل شرعي للمكونات الاجتماعية”، مبينًا أن “التحالفات لا تُبنى على البراغماتية فقط، بل تتطلب حضوراً أيديولوجياً واضحاً لكي تضمن الشرعية أمام قواعدها الشعبية”.

وأضاف أن “العامل الثاني يتعلق بالمكاسب الاقتصادية، إذ تسعى الكتل إلى تحقيق مصالح سياسية ومادية، عبر الحصول على المناصب والمواقع المهمة داخل الدولة، وهو ما يجعل البُعد الاقتصادي جزءاً أساسياً من تشكيل التحالفات”، مشيرًا إلى أن “التحالفات أصبحت مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالمصالح المادية، وليس فقط بالمواقف أو القناعات السياسية”.

وتابع الياسري أن “العامل الثالث هو الارتباط بالسياسات الخارجية، حيث تخضع التحالفات العراقية لتأثير إرادات دولية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وإيران، وتركيا، ودول الخليج والكويت”، موضحًا أن “الكتل السياسية تحاول أن تقدم نفسها جزءًا من هذه المحاور الخارجية، فبعضها يروج لارتباطه بإيران مثلاً عبر تبني بعض القيم التي تطرحها طهران في المنطقة، كي يكسب الشرعية الداخلية عبر هذا الانتماء”.

وأشار إلى أن “أسس التحالفات لا تقتصر على هذه العوامل الثلاثة، بل تتأثر أيضاً بالمتغيرات السياسية التي عرفها العراق، مثل تظاهرات تشرين، وظهور تنظيم داعش، ومحاولات تنظيم القاعدة، والحرب الطائفية، وكلها أحداث ساهمت في إعادة صياغة مشهد التحالفات، وربطت المصالح السياسية بتلك المتغيرات”.

ولفت الياسري إلى أن “كلما ضعف الخطاب الخارجي الذي تتبناه بعض القوى، انعكس هذا الضعف داخلياً على وضعها السياسي داخل العراق”، موضحًا أن “العكس أيضاً صحيح، فحين تضعف قوة الدولة ومؤسسات القرار السياسي والقانوني، تتعزز سلطة التحالفات والمكونات، وتصبح قادرة على فرض إرادتها حتى على القضاء”.

وبيّن أن “الكتل السياسية في العراق، عند كل حالة انسداد سياسي أو انقسام، تسعى إلى تجيير القرارات القضائية لصالحها” مؤكداً أن “هذا الأمر يعمق أزمة تفكك مؤسسات الدولة ويزيد من قوة التحالفات على حساب القانون والنظام السياسي”.

وتحدث الياسري عن علاقة الكتل السياسية بجمهورها، قائلاً إن “العلاقة بين الكتل وقواعدها الشعبية هي علاقة وظيفية تقوم على مبدأ الاستثمار المتبادل، حيث تسعى الكتل إلى تأمين وظائف أو مكاسب للعشائر والمجتمعات المحلية مقابل الحصول على أصواتها”، موضحاً أن “العشائر تحصل مقابل دعمها السياسي على القوة والصلاحيات التي تمكنها من تحقيق مصالحها”.

وأكد أن “الكتل السياسية تحاول أن توازن بين طرح خطابها المحلي والخارجي بما يتناسب مع طبيعة التحولات والمتغيرات الإقليمية”، مشيرًا إلى أن “التغيرات التي تطرأ على السياسات الخارجية، مثل تراجع قوة إيران أو تغير المواقف الدولية، تفرض على الكتل إعادة ترتيب خطابها السياسي داخليًا لضمان استمرار نفوذها”.

وختم الياسري تصريحه بالقول: “إن ثقافة التحالفات السياسية الحالية في العراق أصبحت جزءاً ثابتاً من المشهد السياسي، ولا يمكن تغييرها بسهولة، إلا إذا نشأت ثقافة جديدة مدعومة بمشروع وطني حقيقي، يعزز بناء دولة حديثة قادرة على تقليل تأثير القوى الخارجية والارتقاء بالخطاب السياسي الداخلي”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار