الوعد الصادق 3.. حق الرّدع مَكفوُل

حسيني الاطرقجي/ باحث في الشان الامني

حتميّة الحرب تجلّت في القرن الماضي على شكل حربين عالميتين، بعد أن أفرزت الاول الممرات الناقلة وطرق التجارة العالمية الحديثة، ورسّمت الثانية سيطرة المنتصرين في الحرب “الحلفاء أو المحور” السيطرة على امدادات الطاقة وهيمنة الشركات الكبرى على منابع الموارد.. وفي الوقت الذي تتزايد فيه الحاجة الصناعية على الموارد وتتقاطع فيه طرق التجارة العالمية وسط سباقات التسليح والشراكات الاستراتيجية والاصطفافات الجيوسياسية، والجدير ذكره أن التنافس المحموم بين الدول الكبرى ذات القدرة التصنيعية ينتج بالنهاية اشكالا من جولات الصراع قد تمتد الى حالة حرب رسمية، وفي حالات الصراع لا بد من وجود ضربة قاضية للمنتصر للوصول الى معاهدة وفرض الامر الواقع بين (الاقوى – الاضعف).

صراعا النفوذ والوجود، التدافع الدبلوماسي العنيف بين كل من (امريكا – إيران) هو صورة من صور صراع النفوذ في المنطقة، بينما الصراع المعلن بين (اسرائيل – إيران) وقياسا بما يفكر به صانع القرار الحالي في تل ابيب هو صراع وجود، لذلك فان سيناريو التفاوض مع ايران قد يكمله سيناريو توجيه ضربة عسكرية (امريكية – اسرائيلية) مشتركة للداخل الايراني كحلّ بديل في حال فشل سيناريو التفاوض، ولعل ما يرجح هذا الاجراء هو استهداف طائرات اسرائيلية لمنظومة الدفاع (ارض – جو) الايرانية ردا على عمليات الوعد الصادق الثانية مطلع تشرين2 من العام الماضي 2014، ضمن عمليات اسرائيلية لتليين الداخل الايراني بغية استهداف اهداف اوسع، وهذا ما عدّت له طهران العدة مطلع العام الجاري عِبر مناورات “الرسول الاعظم19” و”إقتدار1403″، الجمهورية الاسلامية ليست في حالة نكران الواقع او الانفصال عن المشهد إنما هي مؤمنة بالخطوات الجادة لخلق شرق اوسط جديد، لكنها ترفض أن تكون لاعبا سابقا بل تسعى لمحاولة البقاء كلاعب حالي مفصلي ضمن الخارطة الجيو سياسية الجديدة للمجتمع الدولي.

المعادلة الاصعب هي رسم ملامح الاعتداء على الخارطة، اذ إن هذه العملية لا تستطيع اسرائيل لوحدها من امكانية تنفيذها، والسبب يعود الى ان المنشآت النووية الايرانية محصنة تحت الارض ابتداءً من (90 الى 700) متر تحت الارض، والوصول الى هذه الاعماق يتطلب صواريخ وقنابل خاصة لا تمتلكها اسرائيل ولا تحوز على الطيران الحامل لها، وتشير التقديرات الامريكية ان السلاح الصاروخي الوحيد القادر على تنفيذ هذه المهمة هو قنبلة “gpu57” الخارقة للتحصينات والتي لا يمكنها اطلاقها سوى من طائرتي (b2, b52” فضلا عن القنبلة المسماة “أم القنابل gpu43” ذات القدرة التدميرية العالية المُقدرة باحدى عشر طنا من المواد شديدة الانفجار ويُشترط أن تُحمل هذه القنبلة فقط بطائرة “c130” التي تحوزها حصرا الدفاع الامريكية التي لا تطلق من منصات الاطلاق انما من مزالق الشحن، ناهيك عن سرب التامين الجوي للطائرات المقاتلة التي تحتاج الى الدعم والاسناد الجوي، من طائرات التانكر العملاقة غير المقاتلة ذات خاصية التزود بالوقود للسرب الجوي وطائرة الانذار المبكر الراداري سهلة الاستهداف من المضادات الارض جوية.

في الطرف الآخر من المشهد، إيران تحديدا، فقد كشفت الدفاعات الجوية الايرانية عن احدث منظومة دفاع ارض جو من طراز سام 359 المُطوّر المخصص لاستهداف الطائرات المقاتلة وطيران التزود بالوقود وطيران الكشف الراداري المُبكّر، بل إن الدفاع الايراني إستبق الاجراء بخطوة عِبر الكشف عن احد الصواريخ “سام 359” في منطقة طور خورماتو ضمن محافظة كركوك، برسالة واضحة فسرها الاميركان ان بامكان ايران التصدي للغارات الجوية ليس من الاراضي الايرانية فحسب، بل من اراضٍ عراقية ايضا.. مضافا اليه التلويح الايراني بالمدن الصاروخية تحت الارض وكشف النقاب عن الصواريخ البالستية الفرط الصوتية ذات المديات المتقدمة حتى 2000كم القادرة على ضرب اي هدف نقطوي داخل الاراضي الاسرائيلية. بمعنىٍ اكثر وضوحا ان الضربة على المنشآت النووية لن تحدث بموافقة امريكية فحسب بل من خلال عملية تحالف مشتركة (امريكية – اسرائيلية) مباشرة.

جدية التهديدات لمستها طهران من خلال بدء واشنطن بعقد صفقة مع تل ابيب لتزويدها بالصواريخ المتقدمة مثل صواريخ “mk 84” الخارقة للتحصينات التي استخدمتها تل ابيب في حربها على جنوب لبنان، وصواريخ “heel fire” المصممة لاستهداف الشخصيات في العمليات الموضعية، والاخطر تزويد تل ابيب بما يعرف “أم القنابل gpu43” التي تعد اقوى قنبلة غير نووية انتجتها الماكنة الحربية الامريكية حتى الان، وما يثير المخاوف من جدية الاعتداء ان تل ابيب قد تستخدم هذه الصواريخ في إعتداء مرتقب على اليمن قبل الجنوح باستهداف المشروع النووي الايراني، ما يمكن اعتباره تجربة حيّة ومحاكاة واقعية عن قدرة هذه الترسانة الصاروخية في استهداف المنشآت النووية الايرانية على رأسها مفاعلي فوردو ونطنز.

حق الاعتداء مكفول مح قبل تل ابيب وحق الردع مكفول ايضا من قبل طهران، لكن تداعيات هذه العملية قد تدخل المنطقة في اتون صراعي اقليمي تمتد عواقبه عالميا على مختلف الساحات، وهذا ما لا تريده طهران وواشنطن، لكن تل أبيب المُغامرة ترى فيه الضربة القاضية لاسقاط نفوذ طهران وإجبارها على مغادرة المنطقة وبتر الاطراف المتمثلة بمحور المقاومة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار