تفكيك حزب العمال الكردستاني: التحولات الاستراتيجية وأبعادها الإقليمية

بقلم/ الباحث والأكاديمي خالد الغريباوي 

تصريح زعيم حزب العمال الكردستاني المحظور في العراق، عبد الله أوجلان، الذي دعا فيه إلى تخلي جميع المجموعات الكردية المسلحة عن السلاح وحل الحزب نفسه، يمثل تحولًا استراتيجيًا مثيرًا للجدل. فبعد عقود من الصراع المسلح، يأتي هذا الموقف في سياق إقليمي ودولي متغير، ما يثير تساؤلات حول دوافعه الحقيقية وما إذا كان يعبر عن قناعة أيديولوجية جديدة أم أنه مجرد مناورة تكتيكية فرضتها الضغوط السياسية والعسكرية المتزايدة على الحزب.

في سياق التحولات الإقليمية، يمكن النظر إلى هذا الإعلان من زاويتين. الأولى هي أنه يأتي نتيجة ضغوط تركية متزايدة، حيث كثفت أنقرة عملياتها العسكرية في شمال العراق وسوريا، ووسّعت نطاق استهدافها لمواقع الحزب، مما جعل استمراريته العسكرية أكثر صعوبة. ومن زاوية أخرى، قد يكون الإعلان محاولة لإعادة تعريف دور الحزب في إطار سياسي جديد، بحيث يتحول من حركة مسلحة إلى كيان سياسي قادر على المشاركة في العملية الديمقراطية، سواء في تركيا أو في مناطق النفوذ الكردي الأخرى.

إذا كان هذا التحول يعكس قناعة حقيقية، فهل سيتمكن الحزب من تفكيك بنيته العسكرية بسهولة؟ من الصعب تصور ذلك، إذ أن حزب العمال الكردستاني ليس مجرد فصيل مسلح، بل شبكة معقدة من العلاقات الأيديولوجية والعسكرية والاقتصادية، تمتد عبر تركيا والعراق وسوريا وإيران. كما أن هناك أجنحة داخل الحزب قد لا تكون مستعدة للقبول بهذه الفكرة، خاصة أن بعض قادته الميدانيين يرون في الكفاح المسلح جوهر الهوية النضالية للحزب. وفي حال حدوث انشقاقات داخلية، فقد تتشكل فصائل جديدة أكثر تشددًا، مما قد يؤدي إلى تعقيد المشهد الأمني بدلًا من تهدئته.

أما على المستوى العراقي، فإن حل الحزب يمكن أن يكون خطوة إيجابية من منظور بغداد، التي تسعى إلى فرض سيادتها على أراضيها، خاصة في المناطق التي كانت تخضع لنفوذ العمال الكردستاني مثل سنجار وقنديل. ومع ذلك، فإن اختفاء الحزب كقوة مسلحة قد يخلق فراغًا أمنيًا يمكن أن تستغله جماعات أخرى، سواء كانت كردية أو حتى تنظيمات إرهابية مثل داعش، مما قد يفرض تحديات جديدة على الدولة العراقية.

من جهة أخرى، لا يمكن تجاهل تأثير هذا التطور على الأكراد في سوريا. وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) التي تعد امتدادًا لحزب العمال الكردستاني قد تواجه معضلة استراتيجية، إذ أن أي تفكك للحزب في العراق وتركيا قد يضعف موقفها أمام الضغوط التركية والدولية، خاصة مع استمرار أنقرة في استهدافها عسكريًا. وإذا تحولت هذه الجماعات إلى كيان سياسي، فقد يكون ذلك مقدمة لتغيير في شكل العلاقات مع القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة وروسيا، التي استخدمت الورقة الكردية في استراتيجياتها الإقليمية.

يبقى السؤال الأهم: هل يمكن لحزب العمال الكردستاني أن يندمج في العمل السياسي بعد عقود من الصراع المسلح؟ التجارب السابقة تشير إلى أن الانتقال من الكفاح المسلح إلى السياسة ليس بالأمر السهل، فالتنظيمات التي قامت بذلك واجهت تحديات داخلية وخارجية هددت وجودها. في السياق الكردي، هناك تجربة حزب الشعوب الديمقراطي (HDP) في تركيا، الذي حاول استثمار الزخم السياسي للأكراد عبر القنوات الديمقراطية، لكنه واجه قمعًا حكوميًا شديدًا، مما يعكس مدى صعوبة تحقيق مكاسب سياسية في ظل التوازنات الحالية.

إذن، هل نحن أمام نهاية حقيقية لحزب العمال الكردستاني كحركة مسلحة، أم أن الأمر مجرد إعادة تموضع تكتيكي؟ إذا كان الخيار الأول صحيحًا، فقد يكون هذا الإعلان بداية لعصر جديد في السياسة الكردية، حيث تحل الدبلوماسية محل السلاح، لكن إذا كان مجرد مناورة، فإن المنطقة قد تشهد موجة جديدة من العنف، ربما بأساليب مختلفة وأطر جديدة. ما هو مؤكد أن تفكيك حزب العمال الكردستاني، إن حدث، لن يكون مجرد تطور داخلي، بل سيترك أثرًا جيوسياسيًا عميقًا على موازين القوى في الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار