الفوضى لا تبني بلدا

بقلم/ وليد إبراهيم 

بدون مجاملة وبدون أي تحفظ، فان قرار الحكومة العراقية بتمليك الأراضي العقارية للمتجاوزين عليها في بغداد، قرار غير صحيح ابداً.

لمن لا يعرف، فقد شهد العراق خلال الفترة الماضية حالات من الفوضى غاب عنها القانون والنظام، جرى هذا احيانا بقصد واحيانا أخرى بدون قصد، وكان من نتائج هذه الفوضى هو قيام عشرات الالاف ان لم يكن مئات الاف من المواطنين بالتجاوز على قطع أراضي تابعة للدولة، قسم كبير منها غير مخصص للسكن، وأخرى تسمى مناطق زراعية لا يسمح بالبناء عليها، وقاموا بتشييد دور سكنية عليها.

جزء كبير من هذه الممارسات جرت بدعم وبإشراف من اطراف سياسية سعت إلى التربح غير القانوني وعلى حساب الدولة من خلال بيع هذه الأرضي للمواطنين مباشرة بأسعار رمزية وباستصدار وثائق تمليك غير أصولية.

ونتيجة لهذا التصرف انتشرت في بغداد مابات يعرف بالعشوائيات. حيث انتشرت المئات من الاحياء السكنية في الكثير من مناطق بغداد بدون تخطيط عمراني صحيح ومدروس يراعي التخطيط العمراني الاساس لمدينة بغداد، وهكذا ساهمت هذه العشوائيات كثيرا بجعل مدينة بغداد تعيش حالة من الفوضى، لم يسلم اي مكان فيه مناطق مفتوحة في بغداد إلا وتم استغلاله والتجاوز عليه.

كثير من الناس رفضوا الانسياق وراء هذه الممارسات احترما منهم للقانون وعدم التجاوز عليه، اما من ارتضى لنفسه أن يكون جزءا من هذه الممارسات فقد اصبح يملك بيتا في بغداد التي وصلت اسعار العقارات فيها ارقاماً خيالية.

الأغلبية ممن ارتضوا على انفسهم ان يكونوا جزءا من هذه الممارسة، كانوا يراهنون ان حالة الفوضى في العراق ستنتهي بقيام السلطات بتمليكهم هذه العقارات، وهذا ماحصل فعلا.

صحيح ان كثير من هولاء كانوا مرغمين على هذا الامر لانهم لا يمتلكون بيتا للسكن ولان اسعار العقارات في بغداد وصلت ارقاماً خيالية يصعب معها شراء منزل حتى وان كانت مساحته 50 متر بسبب شيوع ظاهرة غسيل الاموال نتيجة استشراء الفساد، اضافة إلى ارتفاع بدلات الايجار ايضا، لكن هذا الامر لا يمكن ان يكون مبررا لاستصدار هكذا قرار.

إذا كانت الدولة حريصة على أبناءها وعلى توفير سكن لهم (كما يدعي المطبلون لهذا القرار)، فهناك طرق صحيحة وقانونية كان يمكن اجراءها بعيدا عن هذه الممارسة.

كان بامكان الدولة توزيع قطع أراض لهولاء ضمن خطة وبرنامج مدروس ينتهي ببناء بإنشاء مدن سكنية لهم في اطراف يغداد، ومساعدتهم في بناءها من خلال تقديم قروض مالية بنكية ميسرة، هذا هو الاجراء الصحيح الذي كان يمكن اتخاذه   لمعالجة هذه الظاهرة الشاذة.

هكذا اجراء كان يمكن ان يكون مثالا للجميع في احترام القانون، ودرسا لكل من يمكن ان يفكر بالتجاوز على القانون مستقبلا إذا ماغابت الدولة او السلطة لاي سبب.

إن الحكومة بهذا القرار قدمت مكافاة لاولئك الذين ارتضوا لأنفسهم ان يكونوا جزء من ممارسات شريعة الغاب ومخالفة القانون والتجاوز عليه او الذي اعتادوا على هذا الامر، هذا من جهة، ومن جهة اخرى فان هذا القرار يعني تكريس لظاهرة العشوائيات التي اضرت كثيرا مدينة بغداد واصابت مفهوم احترام وسيادة القانون بمقتل.

التراجع عن هذا القرار ضرورة ملحة والإصرار على تنفيذه سيكون له تداعيات كبيرة اجتماعياً واخلاقيا، الفوضى لا تبني بلد.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار