لا تفرحوا.. محنة “أم الطبول” مستمرة.. من عباءة الصميدعي إلى “عصا” الرباط المحمدي!
خاص|..
يبدو أن جامع أم الطبول، أحد أبرز معالم العاصمة بغداد، يشرع في رحلة جديدة محفوفة بالتحديات، بعد أن خرج من عباءة رجل الدين مهدي الصميدعي، ليجد نفسه في كنف مجموعة الرباط المحمدي، التي يُنظر إليها من بعض الأوساط كذراع ديني “سني” للفصائل المسلحة، وسط استفاهمات من مراقبين ومعنيين، عن سبب تحول بعض مساجد الوقف السني إلى أداة، تُستخدم في صراعات النفوذ والسطوة، دون أي اعتبار لرمزيتها الدينية والتاريخية.
وخرج مهدي الصميدعي مؤخراً من جامع أم الطبول، الذي كان تحت سيطرته منذ ما قبل 2014، حيث استخدمه كمقر رئيسي لأنشطته، وخلال تلك السنوات، ظل الجامع محوراً لخلافات مستمرة بين الوقف السني والصميدعي حول عائديته، وسط اتهامات متبادلة باستغلاله لتحقيق أجندات سياسية ودينية، ليشهد أخيراً تغييراً جذرياً بعد تنفيذ قرار قضائي بإخلائه وتسليمه إلى الوقف السني.
الفرصة الذهبية
غير أن مصادر “جريدة” كشفت عن وجود تحرك من جماعة “الرباط المحمدي” برئاسة عبدالقادر الآلوسي، للدفع بأحد رجالات الدين التابعين لها، للسيطرة على المسجد الكبير، الذي يضم دائرة أوقاف الكرخ، وملحقات أخرى بالمسجد، كالشقق السكنية، حيث تحظى تلك الجماعات بصلات وثيقة مع سياسيين ومتنفذين، وشخصيات حزبية، ومجامع دينية من مختلف المشارب.
وتمكنت خلال السنوات الماضية، من بناء شبكة علاقة كبيرة وتمتلك مؤسسات إعلامية، مثل موقع الكتروني، ناطق باسمها، متخذة من محاربة الإرهاب والتطرف عنوانًا لمجمل أنشطتها فضلًا عن علاقتها بإيران، التي فسحت لها مجالاً بين المجاميع والملتقيات الأخرى.
وقال مصدر مطلع لـ”جريدة”، إن “التحرك الأخير، استهدف عددًا من القادة السياسيين، وتحديدًا ممن كانوا داعمين للشيخ مهدي الصميدعي، كما أن الضغوط طالت رئيس ديوان الوقف السني، مشعان الخزرجي، الذي أبدى معارضة شديدة لما يحصل”.
وأوضح المصدر الذي فضل حجب اسمه، أن “خطة جديدة يتداولها الوقف السني الآن بشأن جامع أم الطبول لمنع تكرار سيناريو (مهدي الصميدعي)، وذلك عبر تثبيت طواقم دينية، جديدة، وتطوير الإجراءات الإدارية”.
ما هو مجلس الرباط المحمدي؟
ظهر مجلس الرباط المحمدي كواجهة دينية واجتماعية ذات طابع صوفي في تسعينيات القرن الماضي، من خلال الشيخ بهجت الآلوسي في مدينة الفلوجة، وعلى الرغم من أنه تأسس رسميًا بشكل سري في عام 2004 على يد عبد القادر الآلوسي، نجل بهجت، إلا أن المجلس ظل يعمل في الظل حتى عام 2013، حيث أعلن عن نفسه في خضم تصاعد الأزمات الأمنية في العراق.
ومع تصاعد نفوذ مجلس الرباط المحمدي بعد عام 2014، بدأ يلعب دورًا أكبر في المناطق الغربية، خاصة مع ظهور تنظيم داعش، وبرز المجلس كجهة موثوق بها لدى فصائل الحشد الشعبي للتعامل معها، لكنه واجه اتهامات باختلاس مساعدات قدّمتها إيران لدعم مناطق سنية، فيما استغل تلك العلاقة لتعزيز نفوذه في مؤسسات مثل الوقف السني والمجلس العلمي، وقد ساعده ذلك على فرض سيطرة شبه تامة على الوظائف الدينية والخطاب الديني في تلك المناطق.
الصوت المخنوق!
المراقب للشأن السياسي نذير البياتي يرى أن “هناك بوادر لإدخال جامع أم الطبول في أزمة جديدة، وبحسب المعطيات هناك ضغط كبير على رئيس ديوان الوقف السني للقبول بهذا الأمر”.
البياتي أضاف لـ”جريدة” أن “مجموع الهيئات العلمية والشرعية والعلماء وطلبة العلم لا يملكون القدرة على رفع الصوت بالرفض لهذا الموضوع إذا تم، ومن يملك ذلك فقط السياسيون ووسائل الإعلام”، لافتًا إلى أنه “في حال تحرك السياسيون ووسائل الإعلام، سيكون هناك تأييد مجتمعي واسع يدعم الرافضين، أما ترك العلماء والمشايخ يتصدون دون إسناد، فسيعني ذلك أنها معركة خاسرة”.
ويناقش إمام وخطيب، وأستاذ جامعي، تحرك “جماعة الرباط المحمدي” نحو جامع أم الطبول، إذ يشير إلى أن مؤسسات الدولة، لا ينبغي أن تكون عرضة للأخذ والرد، ويتحكم بها الأفراد والجماعات، فهذا من أخطر الأشياء التي يمكن أن تحدث للدول.
ويضيف الأستاذ الجامعي، وهو متحدث مشهور، عن الأوساط السنية، لكنه رفض كشف هويته، لأسباب معلومة، أن “ما يحصل هو تواطؤ على المؤسسات، وإذا كان خيارنا بين الرباط المحمدي ومهدي الصميدعي فإن الأخير هو الأفضل لنا”، متسائلًا: “لماذا التراخي مع مقدرات الوقف، وتدخل الجهات المختلفة بها، فهذا من الكيل بمكيالين، وبعيد عن العدالة”.
وخلال فترة سيطرة الشيخ مهدي الصميدعي على جامع أم الطبول، شهدت محاولات عدة من قبل الوقف السني لاسترداد المسجد ووضعه تحت إدارة شرعية تتبع الديوان بشكل مباشر.
ورغم صدور قرارات قضائية متكررة بضرورة إخلاء الجامع، فإن تنفيذ تلك القرارات كان يواجه صعوبات كبيرة بسبب التوترات الأمنية والاحتكاكات التي كانت تحدث بين الأطراف المعنية، إلى أن تم حسم الأمر مؤخرًا بعملية أمنية خاصة أعادت الجامع إلى إشراف الوقف السني بشكل كامل.
الوقف: لا تقلقوا ..الوضع تحت السيطرة
وتحدثت “جريدة” لعدد من المسؤولين والمعنيين في دوائر الوقف السني، غير أن الآراء تباينت بين تحذيرات، وأخرى لم تعلم بوجود تحرك على الأرض لغاية الآن، تجاه جامع أم الطبول.
وأحد من تحدثت لهم “جريدة” هو مستشار رئيس ديوان الوقف السني، نوفل الحمداني، الذي نفى بدورة، “ما يُشاع حول تسليم جامع أم الطبول إلى ما يُعرف بـ(الرباط المحمدي)، وقال إنها أخبار “عارية عن الصحة”.
الحمداني أكد اتخاذ بعض الإجراءات في المسجد، مثل أن “خطبة الجمعة، تقرر إلقاؤها من خطباء مختلفين من المحافظات العراقية، لضمان تنوع الخطاب وتقديم رسائل شاملة للجمهور”، وفي الوقت ذاته، أكد أن “الجامع ما زال تحت إدارة مديرية المؤسسات الدينية التابعة للوقف السني، وهي التي تدير شؤونه بالكامل كما هو مفترض، مع استمرار الإمام الحالي في موقعه”.