المثقف والمحتوى الهابط وقوانين صدّام!
بقلم سلام مكي|..
مع التمدد الرهيب لوسائل التواصل الاجتماعي على حياتنا اليومية، وتدخلها في أدق التفاصيل اليومية للمواطن العراقي، وهتكها حرمة وخصوصية العائلة، واستغلالها من قبل الكثير من صناع المحتوى في تلك المواقع، ونجاحهم في اجتذاب عدد كبير من المتابعين والتابعين لتلك الشخصيات التي تحولت الى أدوات لتحريك وتهييج الأفراد، كان لابد من وقفة مسؤولة من قبل الدولة، للحد من تلك الظاهرة التي أخذت بالتوسع الى مديات أبعد وأشمل في المجتمع، فبعد أن كانت المحاذير كثيرة، والرقابة صارمة على ما ينشر في تلك المواقع، نجد اليوم، انحلالا غير مسبوق، وحرية مفرطة، وتعديا على ثوابت المجتمع، فنرى عروضا للأجساد، وترويجا للأفكار المنحرفة الدخيلة على القيم الاجتماعية الملتزمة التي عرف بها مجتمعنا العراقي منذ القدم، فصرنا نسمع عبارات الفحش والبذاءة تنطلق من ألسن بعض النساء أكثر من الرجال، وصرنا نرى ما يحدث داخل البيوت وحتى الغرف، وكل شيء، صار يحدث أمام أعيننا وعبر البث المباشر، دون حياء أو خجل. ولأن الأجهزة الذكية، أصبحت متاحة للصغار قبل الكبار، ولصعوبة الرقابة عليها من قبل الأهل، فقد ساهم صناع تلك المحتويات بالتأثير المباشر على سلوكيات وعادات أولئك الصغار والمراهقين، وأصبحوا يقلدونهم في كل فعل يقومون به، مما يساهم الى حد كبير، بانحراف سلوكياتهم، عبر السعي الى تقليد ما يشاهدونه ويسمعونه، مهما كانت خاطئا، أو مخالفا للعادات والتقاليد. كل هذه الأسباب، دعت الدولة ممثلة بوزارة الداخلية والقضاء وغيره من الجهات ذات العلاقة الى محاربة ذلك المحتوى الذي أسمته بالهابط، وهو فعلا محتوى هابط بكل المقاييس، إذ يهبط بصاحبه الى أدنى مستويات الفكر والثقافة والقيم، وعلى إثر ذلك تم الحكم على الكثير من صناع المحتوى الهابط، ولعل الأصداء التي لاقتها تلك الأحكام، تدل على وجود تأييد شعبي لها، إذ لم نسمع بوجود اعتراض على حكم صدر بحق مدون أو مدونة ما، بل الكل اتفق على ضرورة وضع حد لتلك الظاهرة الخطيرة التي تحولت الى خطر يهدد المجتمع.
ما يلفت النظر، أن مثقفا، وبحجة الدفاع عن الحرية والديمقراطية، ومن باب الانتقاد للحملة ضد المحتوى الهابط، اكتشف بعد عدة سنين من حملة مكافحة المحتوى الهابط أن المادة التي يتم الحكم بموجبها على صناع ذلك المحتوى، تم تشريعها في زمن صدام!! فكيف وبحسب تعبيره، يصدر القضاء حكما على مواطن وفق قانون يعود للزمن السابق ونحن في عصر الديمقراطية؟؟ ويرى أن الحملة تهدف الى التضييق على الحريات! لكن أي حرية تبيح لصاحبها أن يتعدى قيم المجتمع، وتقاليده التي درج عليها منذ نشأته، وكيف لقانون أن يحمي من تتراقص أمام الجميع، وتطلق ألفاظا خادشة للحياء؟ هذا المثقف، اكتشف مفاجأة، وهي أن النص القانوني الذي يطبق بحق صناع المحتوى الهابط، تم تشريعه في زمن صدام، ولا نعلم أين هي المفاجأة، إذا كان القضاء ومنذ الأيام الأولى للحملة ضد صناع المحتوى الهابط، قال إن القضاء سيطبق بحق المخالفين أحكام المادة 403 عقوبات!
ثم من قال إن النص الذي تتم به محاكمة صناع المحتوى الهابط يعود لزمن صدام؟ أبدا، فالنص هو المادة 403 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969، وهذا القانون، شرع منذ الأيام الأولى لتولي البكر السلطة، عقب الإطاحة بالحكم العارفي، ثم إن الدستور العراقي يقول بأن النص يبقى نافذا، مالم يعدل أو يلغ بنص آخر، والعبرة بالنص القانوني، لا بوقت تشريعه، بل بقيمته الاجتماعية ومدى قدرته على حل المشكلة ومعالجتها، وكان الأحرى بذلك المثقف أن يطالب بتشريع قانون، يعالج ظاهرة المحتوى الهابط، بدل من تطبيق نص قانون، مضى على تشريعه أكثر من نصف قرن!