إقصاء الشعب من تشريع القوانين

بقلم سلام مكي|..

عنوان غريب، قد يبدو للمتابع أول وهلة، لأن الشعب لا يقوم بالتشريع، ولا يساهم فيه، كون أن الدستور حدد الجهة التي تتولى تشريع القوانين وهي مجلس النواب، فمجلس النواب، إضافة الى الحكومة التي تقوم بإرسال مشاريع القوانين اليه ليتولى التصويت عليها أو التعديل على المقترحات المرسلة اليه من الحكومة، بما يراه مناسبا من تعديلات، يجعلنا لا نعطي للشعب أي دور، لكن الحقيقة غير ذلك تماما، إذ أن مجلس النواب، إنما يشرع القوانين باسم الشعب، وإن قيام الشعب بجعل المجلس يشرع ويصدر القوانين نيابة عنه، لا يعني إقصاءه من العملية بشكل نهائي، إذ يبقى هو صاحب الحق الأصلي والأساس في عملية التشريع.

في الدورات الانتخابية الأولى للمجلس، كانت هنالك مساهمات للشعب في تشريع القوانين، عبر قيام المجلس بنشر القوانين المراد تشريعها في موقعه الرسمي، ليتسنى للجمهور الاطلاع عليها، وإبداء ملاحظاته، والسماح للمراكز الحقوقية والمختصين إعطاء الملاحظات، على مسودات القوانين التي ينشرها مجلس النواب على موقعه الرسمي.

لكن في الدورات الأخيرة، اختلف الوضع تماما، حيث لم يعد مجلس النواب ينشر مشاريع القوانين، بل حتى القوانين الصادرة، ما عادت تنشر بشكل منتظم. أما القوانين الجدلية التي تهم شرائح واسعة من المجتمع أو التي ينتظرها كثيرون، ويتأملون من المجلس إقرارها، فنجد مسوداتها متسربة في هذا الموقع أو ذاك، إذ يقوم عدد من أعضاء المجلس بنشر المسودات التي تصلهم، أما من رئاسة البرلمان، أو من اللجان المختصة، ينشرونها لأسباب عدة، منها لاطلاع جمهورهم عليها، أو لأسباب خاصة.

ولكن في بعض الأحيان، تنتشر مسودات لقوانين جدلية، يتم التصريح بأنها غير صحيحة، وبعيدة جدا عن المسودة الأصلية التي ينظرها المجلس، وإن السبب من نشرها في مواقع التواصل للتشويش على الشارع، ولغايات أخرى خاصة، تهدف إرباك الرأي العام.

وقد لاحظنا مؤخرا، أن قانونا جرى التصويت عليه داخل مجلس النواب، يخص جهازا حكوميا، لكن لم ينشر حتى في الجريدة الرسمية “الوقائع العراقية”، ولا نعلم الأسباب التي دعت المسؤولين الى عدم نشر القانون في الجريدة الرسمية، كما درجت العادة. للأسف، القوانين تحولت مثلها مثل المناصب، لا تصدر إلا بعد توافق بين الكتل السياسية، لذلك، لم نعد نسمع بتصويت مجلس النواب على قانون ما، إلا نادرا، ولو صدر فلا يعرف به الشعب إلا بعد نشره في الجريدة الرسمية، وقد تصدر قوانين لا يعلم بها الشعب أصلا، خصوصا تلك التي تمنح أعضاء المجلس امتيازات إضافية. لذلك يعمد البرلمان الى إقصاء الشعب من المساهمة في تشريع القوانين، لأن تلك القوانين، ما عادت تعبر عن تطلعات الشعب، ولا تحقق آماله، لذلك يتم اللجوء الى إبعاد الشعب عن عملية التشريع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار