لكم كل القوانين ولهم العفو العام!
بقلم سلام مكي|..
لك أن تتخيل عزيزي القارئ أن آلاف العوائل العراقية، تنتظر توافق الكتل السياسية على إقرار قانون من بضعة أسطر، يمكن من خلاله إطلاق سراح آلاف السجناء والموقوفين، لكن هذا التوافق، يكاد يكون مستحيلا، مع زعل هذه الكتلة أو تلك، ومع مزايدات ورهانات ومقايضات، على تمرير قانون مقابل قانون. لا نعلم كم قانون سيتم تشريعه مقابل العفو العام! ففي البداية كان الحديث عن وجود اتفاق سياسي على تمرير قانون الانتخابات مقابل العفو، على اعتبار أن تعديل قانون الانتخابات، من مصلحة الكتل الشيعية، والعفو للكتل السنية. لكن تم تعديل قانون الانتخابات ولم يتم تعديل العفو العام. ثم بعد ذلك، جاءت الموازنة العامة للدولة، فقالوا لنا: هذه المرة، تختلف، فلن نصوت على الموازنة، إلا بعد أن يصوتوا على العفو العام، لكن تم إقرار الموازنة لثلاث سنوات، وأيضا لم يتم تعديل العفو العام. وأخيرا: تعديل قانون الأحوال الشخصية مقابل تعديل قانون العفو العام! فقالوا لنا: لن ننخدع مرة ثالثة، فإما أن نصوت على قانون العفو أولا ثم الأحوال الشخصية أو نصوت عليهما في نفس الجلسة! وأخبرونا: اطمئنوا، لن يرى الأحوال الشخصية النور، مادام العفو العام، على حاله!
لكن يبدو أن مشكلة مضمرة، ظهرت مؤخرا، أكبر من مقايضة القوانين، وهي مسألة رئيس البرلمان، فرغم أن المحكمة الاتحادية، أصدرت قرارها المتضمن إمكانية تشريع القوانين حتى لو بقي مجلس النواب دون رئيس، وبإمكان الكتل السياسية، التوافق على مرشح لرئاسة المجلس فيما بعد. لكن يبدو أن محنة شغور منصب رئيس المجلس، قد تكون سببا في تأخير إقرار العفو العام! وأيضا يفترض أن تكون معرقلة لتعديل الأحوال الشخصية!!
لا نود الحديث عن السعي الحثيث لإيجاد ربط بين الأحوال الشخصية والعفو العام، فالأول هو تعديل لقانون الأحوال الشخصية الحالي رقم 188 لسنة 1959 المعدل، تطالب به جهات داخل الإطار التنسيقي، وتدعو لإقراره، كونه ينظم الأحوال الشخصية للمسلمين، وجوهره يتمثل بإطلاق الحرية للعراقيين من أن يلتزموا بأحوالهم الشخصية حسب مذاهبهم، عبر تقديم طلب الى المحاكم المختصة يختارون فيه القانون الذي يريدون، فأما أن يختاروا القانون الحالي ليطبق عليهم أثناء النظر بالقضايا التي تنشأ جراء عقد الزواج وآثاره، أو أن يختاروا مدونات الأحوال الشخصية الشيعية أو السنية. أما قانون العفو العام، فهو قانون يتضمن تعديل قانون العفو العام رقم 27 لسنة 2016، في محاولة لشمول أكبر فئة من السجناء!!
فما هو الربط بين القانونين، حتى يتم الاشتراط أن يتم التصويت عليهما في جلسة واحدة؟ الربط واضح، لا لبس فيه، فهو الخلفيات الطائفية لكليهما، فالأحوال الشخصية مطلب شيعي، والعفو العام مطلب سني، رغم أن العفو العام لو تم إقراره، لا يشمل السجناء السنة فقط! والأحوال الشخصية لو شرع، فلا يخص الشيعة فقط!!
لكن: من ينتظر العفو العام ومن ينتظر الأحوال الشخصية؟ ينتظر العفو العام، آلاف العوائل التي غٌيب أبناؤها في السجون، بسبب وشايات المخبر السري والتعذيب وانتزاع الاعترافات بالإكراه، إضافة الى الأرضية التي وفرتها السياسات الخاطئة والإهمال الحكومي للمجتمع، وترك الظواهر السلبية، والنشاطات غير القانونية، تمارس بكل حرية، دون رقيب حقيقي، ولا سعي جاد لمنع الجريمة قبل وقوعها!! كذلك الدور المغيب للأهل الذي ساهم بانجراف أعداد كبيرة من الشباب في أوحال الجريمة والسلوكيات الشاذة، من مخدرات وقتل وتسليب وخطف! أما من ينتظر الأحوال الشخصية، فلا نكاد نسمع أن فئة من المجتمع تنتظره، فقط هنالك أشخاص يظهرون على الفضائيات، يدعون لإقراره، دون أن يجدوا سندا شعبيا!
أما الإرهاب، فهو بحث آخر، يستوجب مقالا خاصا، إذ لابد من التمييز بين إرهابي غارق بدماء الأبرياء، وبين مجرد شخص أقحم اسمه في سجلات الإرهابيين دون رغبة منه، أو علم حتى!!
فهل يصح سياسيا واجتماعيا وأخلاقيا، أن تتم المتاجرة، بدموع النساء وحريات الآلاف من السجناء؟ كيف يمكن لسياسي يخاف الله، ويصلي خمس مرات يوميا، يرفض أن يكون سببا في إنهاء معاناة زوجة فقدت زوجها أو ابن كبر دون أن يراه أبوه، أو يسمع صوته، أو أم ربّت ولدها ليكون سندا لها عندما تكبر، لكنه، تركها ليركن بين جدران السجن! ألا يمكن للسياسيين التجرد ولو للحظات من شروطهم وكبريائهم والنزول من قممهم، ويفرحوا ألاف الناس؟ ألا يمكن أن يكونوا سببا في التفريج عن كرب المكروبين، حتى يتأملوا من الله أن يفرج عن كربهم يوما ما؟ نعم هنالك مذنبون في السجون، وهنالك أبرياء، تم اختلاق الأدلة ضدهم ليجدوا أنفسهم مذنبين بموجب أوراق أصولية! ولا شيء أقوى من الاعتراف دليلا، كيف لا وهو سيد الأدلة!! ولا دليل أسهل منه، فهو لا يحتاج إلا لبضعة دقائق، حتى يستسلم المتهم!! ويعترف بما فعل وبما لم يفعل!!
لكم أن تشترطوا مع العفو العام، كل قوانين الدنيا، شرعوا ما تريدونه، اجعلوا مع العفو العام 10 قوانين، لكن فقد صوتوا عليه، وفرجوا عن آلاف المغيبين في السجون، فكل ما تفعلونه هو إسقاط الحق العام الذي يحق لكم إسقاطه وفقا للدستور وللقانون، أما الحق الشخصي، فلا تخرجوا أحدا من السجن، دون أن تنازل صاحب الحق الشخصي عنه، وهو أمر ليس صعبا، فكم من قانون عفو عام، صدر في عهدكم وفي العهود التي سبقتكم، وكانت الظروف التي حكموا بها، أسوأ بكثير من الظروف التي نعيشها اليوم، ففي عام 2016، كانت الإرهاب في ذروته، لكن تم إقرار العفو العام. فهل ستكونون على قدر من الإنسانية وتشرعون العفو العام؟