مليون درجة وظيفية لا تكفي!
بقلم سلام مكي |..
قبل أيام قليلة، أعلنت وسائل اعلام محلية أن الحكومة وفّرت ما يقارب مليون درجة وظيفية للخريجين، عبر مجلس الخدمة الاتحادي، حيث شملت تلك الدرجات الخريجين الأوائل، وأصحاب الشهادات العليا، على اعتبار أن مجلس الخدمة الاتحادي، وحسب قانونه المرقم 4 لسنة 2009، يختص بأمور التعيين وإعادة التعيين في دوائر الدولة.
والمليون درجة وظيفية التي قامت الحكومة بتوفيرها، يفترض أنها ساهمت الى حد كبير بتقليص الطلب على الوظائف، وساهمت بتقليل نسبة البطالة بين الخريجين، وأدت الى ملئ الدرجات الوظيفية الشاغرة في الوزارات والهيئات العامة المستقلة، لكن ما يحصل على أرض الواقع، هو العكس، حيث لازالت التظاهرات في بعض المحافظات قائمة، بخصوص المطالبة بالمزيد من الدرجات الوظيفية، وآخرها ما شهدته مدينة الحلة من تظاهرات شبه يومية للخريجين! حيث يتم قطع شوارع حيوية وسط المدينة، مع استنفار تام للقوات الأمنية، لدرجة أن مصادمات حصلت في التظاهرة الأخيرة بين الطرفين.
لذا يرد في الذهن سؤال: كم درجة على الحكومة توفيرها حتى تلبي حاجة الشارع من الوظائف؟ هل على الحكومة توفير مليون درجة وظيفية أخرى؟ أم عليها أن تجد حلا يخفف من حدة الطلب على الوظيفة العامة، ويجعل من الوظيفة الحكومية خيارا ثانويا للخريجين الجدد، وهو أمر ليس صعبا، ولا مستحيلا، كل ما يحتاج هو تخطيط ودراسة حقيقية، من مختصين وأكاديميين، يسعون لإيجاد حلول عاجلة وطويلة الأمد للمشكلة الأبرز التي تهدد الجهاز الاداري برمته، حيث إن تكدس الموظفين في مؤسسات الدولة، والزج بآلاف منهم في وزارات ودوائر، قد لا تناسبهم، وحتى الوزارات، قد لا تحتاجهم، يؤدي الى خلق مزيد من المشاكل القانونية والادارية، منها الترهل الوظيفي الذي تعاني منه بعض الوزارات أصلا، ويساهم بزيادة الضغط على الموازنة العامة عبر زيادة الرواتب والتي سترهق الموازنة كثيرا، وتؤثر على الموازنة الاستثمارية ، حيث ستضطر الحكومة الى تغطية مبالغ الرواتب من مبالغ المشاريع الخدمية والحيوية المهمة. ولعل أبرز حل لمشكلة التعيينات، هو تعزيز الدور المهم للقطاع الخاص، والسعي نحو إيجاد بيئة استثمارية آمنة للشراكات والأفراد الراغبة في استثمار أموالها في قطاعات مختلفة، فهنالك رؤوس أموال كبيرة، ومستثمرون كثر، ومشاريع وفرص استثمارية لا عد لها ولا حصر، سواء تلك المعلنة في هيئات الاستثمار أو التي لم تعلن بعد، لازالت تنتظر الانعتاق من قضبان الروتين الذيرسمه القانون والتعليمات، إضافة الى الفساد المستشري في بعض الدوائر والذي يساهم الى حد كبير بعرقلة أي مشروع استثماري. فهل تبقى الحكومة عاجزة عن إيجاد الحلول للخريجين الذين يزدادون سنة بعد أخرى نظرا لكثرة الخريجين من الجامعات الأهلية والذين غالبا ما يكونون من الأوائل، وكذلك الجامعات الحكومية، مع الزيادة الهائلة في أعداد الذين يمتلكون شهادات عليا، ماجستير ودكتوراه، والتي ساهمت الجامعات في الخارج بتلك الزيادة، أو تسعى لإيجاد حل للمشكلة؟
للعلم أن الحكومة ليست وحدها معنية بحل هذه المشكلة، بل مجلس النواب، كذلك يتحمل المسؤولية، إذ ان قانون الاستثمار يعاني من مشاكل كبيرة، ولابد من تعديل عاجل له، يساهم بتخفيف الاجراءات الروتينية، والسعي لزيادة التسهيلات الممنوحة للمستثمرين، بما يمكنهم من متابعة مشاريعهم والمباشرة بها، دون معرقلات. فبالاستثمار وحده، يمكن أن يكون القطاع الخاص، قبلة جديدة لطالبي الوظائف والباحثين عن العمل، كون أن المشاريع الاستثمارية تحتاج الى كوادر كثيرة، لكن للأسف، لا الحكومة ولا البرلمان، يسعون الى هذا الحل، ولا لأي حل آخر، يساهم بحل هذه المشكلة المزمنة.