الإدارة الأميركية وإشكالية الخيار العسكري ضد إيران
رياض قهوجي
يسود ارتباك واضح، أروقة الادارة الأميركية في شأن كيفية التعامل مع التقارير التي تتحدث عن العثور على يورانيوم مخصب بنسبة 83 في المئة في إحدى المنشآت النووية الإيرانية وسط جدل عما إذا كانت طهران قد أقدمت فعلاً على زيادة التخصيب ليلامس مستوى الاستخدام العسكري أو أن كمية اليورانيوم هذه محدودة ونتيجة خطأ تقني. فالمعلومة سرّبت إلى وكالة “بلومبرغ” من مصادر استخباراتية عسكرية إسرائيلية ما يجعل واشنطن تتعامل بحذر معها.
تدرك الولايات المتحدة أن تل أبيب تريد جرّها إلى حرب مع إيران كونها لا تزال عاجزة عسكرياً عن شن هجوم واسع على المنشآت النووية الإيرانية وحدها. فالتحدي بالنسبة لإسرائيل ليس فقط أن إيران بعيدة جغرافياً منها ومنشآتها منتشرة في أرجاء الدولة، بل أيضاً هو في التعامل مع ما سيلي الغارات من هجمات صاروخية من شمال وجنوب وشرق إسرائيل من قبل “الحرس الثوري” الإيراني وميليشياته في المنطقة.
يُتوقع أن تتكثف المحادثات العسكرية الإسرائيلية – الأميركية في الأسابيع المقبلة في محاولة لتنسيق المواقف بين الحليفين الاستراتيجيين. السياسات المتشددة للحكومة الإسرائيلية اليمينية ضد الفلسطينيين والتصريحات العنصرية لبعض وزرائها تعقد التعاون مع الإدارة الأميركية “الديموقراطية” ذات التوجه الليبرالي. فهذه الإدارة كانت ولا تزال تريد التوصل الى اتفاق نووي جديد مع طهران، إلا أن اندلاع الحرب الأوكرانية وتوتر العلاقات بين الغرب وروسيا والصين عقّد الأمور وأدى الى توقف المفاوضات في فيينا. لكن التواصل بين واشنطن وطهران خلف الكواليس لم يتوقف إذ تتحدث تقارير عن وساطات متعددة من قبل لاعبين إقليميين مثل قطر وعُمان والعراق لا تزال نتائجها غير مشجعة حتى الآن.
مشكلة الإدارة الأميركية الحالية أن الظروف الدولية والتطورات في أوروبا والشرق الأوسط وسياسات إيران تعرقل الأهداف التي وضعتها منذ وصولها إلى السلطة بإعادة إحياء الاتفاق النووي لتجنب الوصول الى مفترق طرق سيرسم خريطة الشرق الأوسط للسنوات المقبلة: هل تتغاضى عن امتلاك إيران لسلاح نووي أم تلجأ للخيار العسكري؟ لكل من الخيارين تبعاته الثقيلة. فخيار السماح لإيران بامتلاك قدرات نووية والتعايش معها سيجعل الديموقراطيين في وضع صعب أمام الجمهوريين في الانتخابات المقبلة. كما سيفتح الباب لسباق تسلح نووي في الشرق الأوسط حيث قد تسعى دول أخرى للحاق بإسرائيل وإيران وامتلاك ترسانة نووية. ويتوقع العديد بأن تصبح سياسات إيران التوسعية أكثر هجومية وجرأة مع امتلاكها سلاحاً نووياً، في وقت يتوقع أن تعدل إسرائيل سياسة الردع لتشمل استخدام سلاحها النووي في حال تعرضها لأي هجوم من إيران.
أما الخيار العسكري، فمشكلته أن توقيته سيئ جداً بسبب الحرب في أوكرانيا والتي تستنزف الخزينة الأميركية ومخزون القوات الأميركية من الذخائر والأعتدة. فأميركا تدرك ومنذ اغتيال قاسم سليماني أن إيران لن تمتنع عن الرد على قواعدها العسكرية في المنطقة والتي هي جميعها اليوم ضمن مدى صواريخها وطائراتها المسيّرة. وقد يكون الرد الإيراني هذه المرة أكثر شمولية وعنفاً من السابق حيث اكتفت طهران حينها بهجوم واحد لم يلحق أي إصابات قاتلة في صفوف الأميركيين. وعليه، فإن أي هجوم أميركي على إيران سيؤدي الى حرب صاروخية ترافقها غارات جوية ومواجهات بحرية قد تؤدي الى عرقلة الملاحة في مضيقي هرمز وباب المندب. لذلك، يعتقد بعض المسؤولين العسكريين الأميركيين أنه اذا ما قررت واشنطن اللجوء إلى الخيار العسكري فعليها أن تشن هجوماً عنيفاً واسع الناطق لا يشمل فقط منشآتها النووية، بل قدراتها الصاروخية ومنشآت تصنيع المسيّرات وغيرها من الأسلحة والبنية التحتية بشكل يهز أركان النظام ويرغمه على إنهاء المواجهة العسكرية بسرعة للحد من الخسائر وتجنب سقوطه.
ومن التداعيات السيّئة للخيار العسكري بالنسبة لأميركا هي حتمية ارتفاع أسعار النفط والتي قد تصل الى مستويات قياسية في حال أصيبت منشآت نفطية أو أعيقت الملاحة في مضيق هرمز. فالعديد من الدول حول العالم تعاني من التضخم بسبب تداعيات جائحة كورونا والعقوبات المفروضة على روسيا والتي أدت الى عرقلة صادراتها النفطية. اندلاع حرب في الشرق الأوسط سيؤثر سلباً في الاقتصاد العالمي ما قد يصعّب عملية تمويل الغرب لأوكرانيا لمواجهة روسيا، في حين أن ارتفاع اسعار النفط سيفيد موسكو التي ستحصل على السيولة اللازمة لتمويل عملياتها العسكرية.
لا أحد يعلم تحديداً كم ستتسع دائرة الحرب في المنطقة في حال لجوء أميركا وإسرائيل إلى الخيار العسكري ضد إيران. هل ستبقى الحرب محصورة بين الأطراف الثلاثة أم تتسع لتطاول دولاً أخرى تتواجد فيها ميليشيات تابعة لإيران مثل لبنان وسوريا والعراق؟ ماذا عن الدول التي تتواجد فيها قواعد أميركية؟ فهل ستجد نفسها مضطرة للرد والدخول بالحرب في حال أقدمت إيران على استهدافها؟ أميركا وإسرائيل قد لا تنسقان مع أطراف عربية أو غير عربية في المنطقة في حال قررتا شن عمل عسكري ضد إيران. فهذا التنسيق قد يأتي لاحقاً. وبالرغم من توقع العمل العسكري إلا أنه سيكون مفاجئاً عند حصوله بخاصة أن الحديث عن هذه المواجهة يدور منذ سنوات عديدة من دون حصول أي شيء. لذلك ستسود حال من الفوضى في الدول التي ستشملها هذه الحرب إذ قد تؤدي المواجهات بالصواريخ والمسيّرات والغارات الجوية لإغلاق المجال الجوي لدول عدة وعرقلة السفر من والى هذه الدول لفترة زمنية.
أكثر ما تخشاه أميركا هو أن تعمد الحكومة الإسرائيلية الى شن عمل عسكري أحادي ضد إيران على أمل جرّ واشنطن الى حرب لا تريدها الآن. فالأوضاع الداخلية المتشنجة في إسرائيل قد تدفع رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو إلى شن حرب تصرف الأنظار عن سياساته ضد الفلسطينيين وتعطيه الفرصة لإجراء تعديلات دستورية تعارضها شريحة كبيرة من الشعب الإسرائيلي. وإدارة بايدن قد تجد صعوبة كبيرة داخلياً لترك إسرائيل وحيدة في مواجهة واسعة مع إيران وحلفائها ما سيضطرها إلى التدخل. لكن واشنطن ستمارس ضغوطاً كبيرة على تل أبيب لثنيها عن أي عمل أحادي، وستسعى جاهدة حتى اللحظة الأخيرة للوصول عبر الأقنية السرية الى حلول دبلوماسية للأزمة الحالية مع إيران. وتراقب واشنطن باهتمام كبير ما يجري على مسار التفاوض الإيراني – السعودي، وتأمل بأن أي تقدم على هذا الصعيد سينعكس ايجاباً على فرص وصولها لتفاهم مع طهران. لكن حتى حينه فإن طبول الحرب تقرع.
النهار العربي