ترمب يؤسس ترُويكا ألشرق ألأوسط

حسيني الاطرقجي/ باحث في الشان الامني والسياسي
الترويكا هو اصطلاح روسي نشأ في القرنين السابع والثامن عشر كان قد عَبّر عن ثلاثة خيول قوية تجر عربة وكانت هذه الخيول ذات قدرة وقوة اعلى من قرائنها وتسير اسرع من الاخريات، تتقدم عربة الترويكا على باقي وكانه تستخدم في المواكب الملكية او تُسخّر لنقل البريد الهام بين المدن، ومن هذه المعطيات ارتبطت فكرة الترويكا بالقيادة والقوة وإجمالا بالاهمية، وتم اعادة توظيف هذا المصطلح في الاتحاد السوفيتي عام 1960 على اعتبار أن الرأي في منظومة الحكم يمر من خلال ثلاثة اشخاص في منصب السكرتير العام بما يكون أشبه بمجلس امن قومي مُتقدّم، حتى العام 1991 تفكك الاتحاد السوفيتي ونهوض الاتحاد الاوربي إنتقل هذا الاصطلاح – ترويكا – الى دول المحور في الاتحاد الاوربي التي تمثل عواصم القرار في الاتحاد (بريطانيا، فرنسا والمانيا).
قدّم هنري كيسنجر ثلاث سيناريوهات تجاه مستقبل الاتحاد الاوربي، أولها بأن يبقَ ضعيفا تحت وصاية الادارة الامريكية أو أن يتفكك بصورة كبيرة وثالثهما أن يذهب قسمه الاكبر تجاه تحالفات أوراسية جديدة، وبالتزامن مع تحقق سيناريو او اكثر من الثلاث المذكورة فإن منطقة الشرق الاوسط منطقة واعدة كتوجه دولي متنافس بين البيت الابيض والصين إذ يتزاحم الطريقان الممر الاقتصادي (الهند، الشرق الاوسط، اوربا) بالرعاية الامريكية ومشروع خارطة الحزام والطريق، لذا فإن اهم الطرق قد يكون الشرق الامريكي لتحييده عن الصين عِبر التاسيس لعواصم قرار خليجية (الرياض، ابو ظبي، الدوحة) تمظهرت هذه الاحتمالات بالزيارة الاسياسية للرئيس ترمب التي كانت من مخرجاتها عزل تل أبيب عن القرار الاقليمي وتعزيز دور الرياض الريادي متمثلا بطلب ولي العهد رفع العقوبات عن سوريا بعد لقاء الرئيس السوري احمد الشرع، ذات الوقت اشار مبعوث ترمب للشرق الاوسط ستيف ويتكوف الى ان جغرافيا الشرق هي الجغرافيا البديلة للاتحاد الاوربي على الصعيدين الجيوسياسي والجيواستراتيجي، واعزا السبب الى جملة عوامل، منها( احتجاجات، أزمة تقاعد، انهيار في الشرطة، وأموال تُصرف على إسكان المهاجرين بينما يُهمل المواطنون في فرنسا، وفي المانيا تباطؤ صناعي، أزمة طاقة، شيخوخة سكانية، وتعقيدات بيروقراطية، أما بريطانيا فإقتصادها آخِذ بالتعثر والتباطؤ والضرائب ترتفع، الخدمات تتهاوى، جرائم الطعن تتصاعد، الهجرة الجماعية تشل البنية التحتية).
إما في دول الخليج أو “ترويكا المنطقة” فأنها على مسار التنافس الدولي مع العواصم الاقتصادية وعواصم صناعة القرار، اذ أن النظرة الامريكية تجاه الهند كبديل مستقبلي للصين تشوبها الكثير من المخاطر ويفضل صانعو السياسات الخارجية وجود ادوار خليجية رديفة قادرة على تشكيل ماكنة صناعية متحالفة مع الغرب يؤهلها لصناعة القرار السياسي في الشرق، الى جانب طموح الإمارات بالتربع على عرش الذكاء الاصطناعي والمشاريع الرقمية عِبر تاسيس 1000 شركة رقمية مرخصة من تحت ADGM وVARA، مضاف اليها قطر التي تمثل شريان الطاقة الغازي من الشرق الى اوربا فضلا عن أن الدوحة تستضيف فعاليات عالمية، تموّل مشاريع التمويل الأخضر، وتحوّل البنى التحتية إلى أصول رقمية.
لذا، فإن زيارة ترمب أو القمة الامريكية الخليجية بانت بوادرها (المجريات والمخرجات) تزامنا مع وجوده بالمنطقة متمثلةً بعزل تل ابيب عن قرار المنطقة ورفع العقوبات عن سوريا والشراكات الاستراتيجية التي بدورها رسمت دفع وموافقة أو فيتو خليجي تجاه القرارات الامريكية تجاه الشرق الاوسط.