المنطقه العازلة الإسرائيلية في جنوب سوريا: الدوافع والتداعيات الإقليمية ؟

كتب/ خالد الغريباوي
مع استمرار التوترات في الجنوب السوري، تتبلور ملامح منطقة عازلة تمتد من السويداء ودرعا والقنيطرة وصولًا إلى الحدود الأردنية-السورية-العراقية، وتربط جغرافيًا بقاعدة التنف الأمريكية. هذه الخطوة، التي تدفع بها إسرائيل والولايات المتحدةالامريكية، تثير العديد من التساؤلات حول مستقبل النفوذ الإقليمي، خصوصًا فيما يتعلق بإيران وروسيا، فضلًا عن التداعيات الأمنية على العراق، الذي بات يجد نفسه في مواجهة معادلات استراتيجية جديدة قد تؤثر على أمنه القومي.
ففي حال نجاح إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية في فرض هذه المنطقة، فقد تفقد روسيا جزءًا من نفوذها في سوريا، مما يضعف موقعها التفاوضي مع كل من امريكا وإسرائيل. كما أن تعزيز الوجود الإسرائيلي غير المباشر في الجنوب قد يقلل من قدرة روسيا على المناورة بين مختلف الأطراف، ويفرض عليها دورًا أكثر حيادية أو حتى انكماشيًا في هذه الجغرافيا الحساسة.
يمثل ربط المنطقة العازلة بقاعدة التنف الأمريكية تحولًا استراتيجيًا يعزز الطوق المفروض على إيران، ويؤثر بشكل مباشر على العراق. فمن خلال منع الاتصال المباشر بين الفواعل المدعومة من طهران وتأثيرها على سوريا، تسعى الولايات المتحدة وإسرائيل إلى تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة. هذه الخطوة قد تؤثر بشكل كبير على الأمن القومي العراقي، حيث ستكون هناك تداعيات على محور القائم-البوكمال، وهو أحد أهم الممرات السابقة التي تستخدمها إيران لنقل الدعم اللوجستي إلى حلفائها في سوريا ولبنان.
على الجانب الآخر، فإن وجود منطقة عازلة خاضعة للنفوذ الإسرائيلي على الحدود الأردنية-السورية-العراقية يعني أن إسرائيل ستتمتع بنفوذ استخباراتي وعسكري غير مسبوق في هذه المنطقة، ما قد يحوّلها إلى مسرح عمليات معلوماتي يهدف إلى تضييق الخناق على إيران، وتعزيز القدرة الإسرائيلية على جمع المعلومات وشن عمليات سيبرانية أو عسكرية ضد الأهداف الإيرانية في العراق وسوريا.
هل ستكون هذه المنطقة العازلة مجرد حاجز أمني لإسرائيل أم أنها ستتحول إلى منصة عمليات استخباراتية وعسكرية لتعزيز الضغوط على إيران،؟؟؟ وما مدى قدرة تل أبيب على الحفاظ على استقرار هذه المنطقة وسط التناقضات المحلية والإقليمية؟ وهل يمكن لروسيا أن تتقبل هذا التحول الجيوسياسي أم أنها ستسعى إلى مواجهته عبر تفاهمات جديدة مع دمشق وطهران، وهل ستكون هناك مقايضات بين موسكو وتل أبيب قد تؤدي إلى تنازلات متبادلة على حساب النفوذ الإيراني؟ وما هي التداعيات طويلة المدى على العراق، خصوصًا إذا ما تم استخدام هذه المنطقة لتعزيز النفوذ الإسرائيلي والأمريكي في المثلث الحدودي بين العراق وسوريا والأردن، وكيف يمكن للعراق أن يحمي أمنه القومي في ظل تصاعد الاستقطاب الإقليمي؟ وهل يمتلك العراق خيارات واقعية لمواجهة هذا التهديد أم أنه سيكون مضطرًا للتكيف مع الوقائع الجديدة، وكيف يمكنه تحقيق توازن في علاقاته مع إيران والولايات المتحدة دون الانجرار إلى صراع غير محسوب العواقب؟ هذه الأسئلة تعكس تعقيد المشهد الإقليمي، حيث ستظل المنطقة العازلة في الجنوب السوري نقطة ارتكاز لصراع النفوذ بين القوى الكبرى، وقد تكون مقدمة لإعادة تشكيل النظام الإقليمي بطرق قد تؤثر جذريًا على توازنات القوى في الشرق الأوسط.